الأول : نحو قولك قام زيد فعمرو ، وضربت زيدا فأوجعته : أردت أن تخبر أن قيام عمرو وقع عقيب (١) قيام زيد بلا مهلة ، وأن إيجاع زيد كان عقيب ضربك إياه ، وعلى هذا تقول : مطرنا ما بين زبالة فالثّعلبية ، إذا أردت أن المطر انتظم الأماكن التي ما بين هاتين القريتين ، يقروها (٢) شيئا فشيئا بلا فرجة. وإذا قلت مطرنا ما بين زبالة والثعلبية ، فإنما أفدت بهذا القول أن المطر وقع بينهما ، ولم ترد أنه اتصل في هذه الأماكن ، من أولها إلى آخرها ، ولما ذكرناه من حال هذه الفاء ، من أن ما بعدها يقع عقيب ما قبلها ، ما جاز أن يقع ما قبلها علة (٣) وسببا لما بعدها ، وذلك أن العلة سبب كون المعلول وموجبته ، وذلك قولك : الذي أكرمني فشكرته زيد ، فإنما اخترت الفاء هنا من بين حروف العطف ، لأن الإكرام علة لوقوع الشكر ، فعطف بالفاء ، لأن المعلول ينبغي أن يقع ثاني العلة بلا مهلة. وكذلك الذي ضربته فغضب زيد ، لأن الضرب علّة الغضب. ولو قلت : الذي أكرمني وشكرته زيد ، لم يفد هذا الكلام أن الإكرام علّة للشكر ، كما يفيده العطف بالفاء ، وإنما كان يكون معناه أنه وقع الإكرام منه ، والشكر منك ، غير مسبّب أحدهما عن صاحبه كان ، أو مسببا عنه ، بل وقعا منكما معا ، فهذا يكشف لك حال الفاء.
الثاني : وهو الذي يكون فيه الفاء للإتباع دون العطف ، إلا أن الثاني ليس مدخلا في إعراب الأول ، ولا مشاركا له في الموضع ، وذلك في كل مكان يكون فيه الأول علة للآخر ، ويكون فيه الآخر مسببا عن الأول ، فمن ذلك جواب الشرط في نحو قولك : إن تحسن إليّ فالله مجازيك ، فهذه هنا للإتباع مجرّدة من معنى العطف ، ألا ترى أن الذي قبل الفاء من الفعل مجزوم ، وليس بعد الفاء شيء يجوز أن يدخله الجزم ، وإنما بعدها جملة مركبة من اسمين مبتدأ وخبر ، وكذلك قولك : إن تقم فأنا قائم معك ، وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط ، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى الفاء.
__________________
(١) عقيب : أي بعده. مادة (عقب). اللسان (٤ / ٣٠٢٣).
(٢) يقروها : يتتبعها ، يقال : قروت البلاد قروا وقريتها قريا : إذا تتبعتها تخرج من أرض إلى أرض. مادة (ق ر ا) اللسان (٥ / ٣٦١٦).
(٣) العلة : السبب. مادة (ع ل ل) اللسان (٤ / ٣٠٨٠).