فإن قال قائل : فلم دخلت الفاء في جواب أمّا؟
فالجواب أنها إنما دخلت في الجواب لما في أمّا من معنى الشرط ، وذلك أنك إذا قلت : أما زيد فمنطلق ، فمعناه : مهما يقع من شيء ، فزيد منطلق. فإن قيل : فإذا كان تقدير الكلام : مهما يقع من شيء فزيد منطلق ، فنحن نرى الفاء قبل الجملة التي هي زيد منطلق.
ونحن إذا قلنا : أما زيد فمنطلق ، فقد نرى زيدا قد تقدم على الفاء ، وصار بعد الفاء اسم واحد ، وهو منطلق ، فما بال أحد الاسمين تقدم على الفاء مع أما ، وتراهما جميعا متأخرين عن الفاء مع مهما؟
فالجواب : أن العرب كما تعنى بالمعاني فتحققها (١) ، فكذلك أيضا تعنى بالألفاظ فتصلحها. وذلك أن هذه الفاء وإن كانت هنا متبعة (٢) غير عاطفة ، فإنها قد تستعمل في العطف في كثير من المواضع ، نحو قام زيد فعمرو ، ورأيت محمدا فصالحا ، فمن عادتها ـ عاطفة كانت أو متبعة ـ ألا تقع مبتدأة في أول الكلام ، وأنه لا بد من أن يقع قبلها اسم أو فعل ، فلو أنهم قالوا : أما فزيد منطلق ، على تقدير مهما يقع من شيء فزيد منطلق ، وأوجبوا على أنفسهم تقدم الفاء على الاسمين مع أمّا ، كما يقدمونها عليهما مع مهما لوقعت الفاء مبتدأة ليس قبلها في اللفظ اسم ولا فعل ، إنما قبلها حرف ، وهو أمّا ، فقدّموا أحد الاسمين قبل الفاء مع أما ، لما حاولوه من إصلاح اللفظ ، ليقع قبلها اسم في اللفظ ، ويكون الاسم الثاني الذي بعده ، وهو خبر المبتدأ ، وإن لم يكن معطوفا الآن على المبتدأ ، تابعا في اللفظ لاسم قبله ، وهو زيد ، فيكون الفاء هنا على صورة العاطفة وإن لم تكن عاطفة ، كل ذلك لإصلاح اللفظ ، فاعرفه ، فإنه لطيف ، وهو رأي أبي علي ومذهبه ، وعنه علّقت ما كتبته هنا ، فإن اختلفت الألفاظ فإن المعاني متفقة.
__________________
صدور : اسم لا منصوب وعلامة النصب الفتحة. لجعفر : جار ومجرور في محل رفع خبر لا النافية للجنس. ولا ، وما : دخلت عليه في محل رفع خبر للمبتدأ.
(١) التحقيق : الإحكام. مادة «حقق». اللسان (٢ / ٩٤٤).
(٢) متبعة : أي رابطة بين المسبب والسبب. مادة (ت ب ع) اللسان (١ / ٤١٦).