فأما قوله عز اسمه : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(١)
[الجمعة : ٨] فليست الفاء في «فإنه» زائدة ، ولكنها دخلت لما في الكلام من معنى الشرط ، فكأنه والله أعلم ، إن فررتم منه لاقاكم.
فإن قال قائل : إن الموت ملاقيهم على كل حال ، فرّوا منه أو لم يفرّوا ، فما معنى الشرط والجواب هنا؟ وهل يصحّ الجواب بما هو واقع لا محالة؟
فالجواب أنّ هذا على جهة الردّ عليهم أن يظنوا أن الفرار ينجيهم ، وقد صرّح بهذا المعنى وأفصح عنه بالشرط الحقيقي زهير في قوله :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو رام أن يلقى السّماء بسلّم (٢) |
أي إن اعتقد أنّ التحرز ينجيه من الموت ، كان ذلك أدعى لوقوع الموت به على جهة الردّ عليهم ، وإبطال ظنهم.
__________________
(١) تفرون : تهربون. مادة (ف ر ر) اللسان (٥ / ٣٣٧٥). ملاقيكم : مقابلكم. الشرح : إن الموت الذي تهربون منه سيقابلكم لا محالة في ذلك. موضع الشاهد : «فإنه ملاقيكم» شاهد على أن الفاء في الآية غير زائدة في مثل هذه الآية لما فيها من معنى الشرط. إعراب الشاهد : الفاء واقعة في جواب الشرط. إن : حرف توكيد ونصب ، والهاء : اسمها. ملاقيكم : خبر إن مرفوع بضمة مقدرة ، والكاف : ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
(٢) المنايا : جمع المنية وهي الموت. ينلنه : يأخذنه. رام : طلب. الشرح : من خاف أسباب الموت نالته لا محالة.
الشاهد في : «من هاب أسباب المنايا ينلنه» فقد جاء الشرط وجوابه لما هو واجب الوقوع وهو الموت. إعراب الشاهد : الواو : على حسب ما قبلها. من : اسم شرط مبني في محل رفع مبتدأ. هاب : فعل ماضي مبني في محل جزم فعل الشرط ، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على من. أسباب : مفعول به منصوب. المنايا : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة المقدرة. ينلنه : فعل مضارع مبني لاتصاله بنون النسوة في محل جزم جواب الشرط ، والنون : مبنية في محل رفع فاعل ، والهاء مفعول به.