فأما قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) [الحديد : ١٣](١) ، فذهب أبو الحسن (٢) فيه إلى أن الفاء زائدة.
وذهب أيضا في قوله جل اسمه : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) [البقرة : ٨٧] ، وفي قول الناس : «أفالله لتصنعن كذا وكذا» ، وقولنا للرجل : «أفلا تقوم» إلى أن الفاء زائدة ، وجوّز أيضا أن تكون حرف عطف ، والوجه أن تكون هنا غير زائدة ، وأن تكون للإتباع ، لتعلّق (٣) ما قبلها بما بعدها.
وعلى هذا قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ـ وقد قيل له لما رئي قد جهد نفسه بالعبادة : يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ـ «أفلا أكون عبدا شكورا؟».
فالوجه أن تكون الفاء هنا متبعة غير زائدة.
ومن زيادة الفاء أيضا قوله جل ثناؤه : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ، فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران : ١٨٨] ، الفاء زائدة ، وتحسب الثانية بدل من تحسب الأولى.
إلى هذا ذهب أبو الحسن ، وهو قياس مذهبه في كثرة زيادة الفاء.
وقال حاتم ـ أخبرنا به عليّ بن محمد ، يرفعه بإسناده إلى قطرب :
وحتى تركت العائدات يعدنه |
|
يقلن فلا تبعد وقلت له ابعد (٤) |
__________________
(١) أي ضرب بين المؤمنين والمنافقين سور يحجبهم عن بعضهم. الشاهد في «فضرب» فقد جاءت الفاء زائدة.
إعراب الشاهد : الفاء : زائدة. ضرب : فعل ماضي مبني للمجهول.
(٢) أبو الحسن : هو سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط.
(٣) التعلق : الارتباط. مادة (ع ل ق) اللسان (٤ / ٣٠٧١).
(٤) العائدات : اللائي يعدن المريض في مرضه. لا تبعد : لا تهلك. يريد أنه طعنه طعنة تركته بين الموت والحياة ، فالتف حوله النساء يطلبن له الشفاء ، وهو يطلب له الموت. الشاهد فيه : زيادة الفاء في قوله «فلا تبعد».