ويدلّك على أن الفعل إذا تقدّمه اسم ولم يسغ عطفه عليه ، اضطّر معه إلى إضمار «أن» ليفيدا معا معنى المصدر ، فيعطف المصدر الذي هو اسم ، على الاسم الذي قبله ، قول ميسون بنت بجدل الكلبية :
للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (١) |
فكأنها قالت : لأن ألبس عباءة ، وأن تقرّ عيني ، أحبّ إليّ من كذا.
ونظير (٢) ذلك قول الآخر ، وهو من أبيات الكتاب أيضا :
فلو لا رجال من رزام أعزّة |
|
وآل سبيع أو أسوءك علقما (٣) |
أراد : وأن أسوءك. فكأنه قال في البيت الأوّل : للبس عباءة وقرّة عيني : أحبّ من كذا.
وفي الآخر : ولو لا رجال وآل سبيع أو مساءتي إياك ، لكان كذا ، فالقرّة : اسم بمنزلة اللّبس ، والمساءة : اسم بمنزلة آل سبيع.
__________________
(١) البيت ينسب لميسون بنت بجدل الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان وأم يزيد ابنه وهي بدوية من كلب التي تسكن بادية الشام ، ضاقت نفسها لما تسرى عليها معاوية ، فعذلها على ذلك ، وقال لها : أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره ، وكنت قبل اليوم في العباءة ، فقالت أبياتا منها هذا البيت ، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (١ / ٤٢٦). الشاهد فيه : نصب «تقر» بإضمار أن ليعطف على اللبس ، لأنه اسم ، وتقر : فعل ، فلم يمكن عطفه عليه ، فحمل على إضمار أن ، لأن أن وما بعدها اسم ، فعطف اسما على اسم ، وجعل الخبر عنهما واحدا ، وهو أحب.
(٢) نظير : مثيل. مادة (نظر).
(٣) رزام : ابن مالك بن حنظلة بن مالك بن عمرو : أبو حي من تميم. سبيع : هو ابن عمرو بن فتية. علقما : مرخم علقمة. يقول : لو لا هؤلاء الرجال المذكورين لفعلت به كذا وكذا. الشاهد في قوله : «أو أسوءك علقما». إعراب الشاهد : أو : عاطفة. أسوء : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد أو ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، والكاف : ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.