واعلم أنك إذا أجبت هذه السبعة الأشياء (١) بالفاء ، فإن الكلام الذي هو مجاب ، والكلام الذي هو جواب جميعا ينعقدان انعقاد الجملة الواحدة ، وليستا بجملتين ، وذلك أنك إذا قلت : ما أنت بصاحبي فأكرمك ، فكأنك قلت ، ليست بيننا صحبة مقتضية إكراما ، فمقتضية جزء متصل بالجملة ، على حدّ اتصال الصفة بالموصوف من الجملة المقدّمة ، وكذلك قوله :
يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا (٢) |
في معنى سيري سيرا مؤدّيا إلى الاستراحة ، فمؤد متصل بما قبله ، وليس منفصلا منه. وكذلك قولك : لا تشتمه فيشتمك ، معناه : لا يكن منك شتيمة له داعية إلى شتمه إياك. وعلى هذا جميع هذه المسائل.
وأنت لو قلت : ما تزورني فتحدثني ، فرفعت تحدثني ، لم يكن الكلام كله جملة واحدة ، بل هو جملتان ، أي : ما تزورني ، فهذه واحدة ، وما تحدثني ، فهذه أخرى. فاعرف حال هذا الفاء وما بعدها.
وقول البغداديين : إننا ننصب الجواب على الصّرف ، كلام فيه إجمال ، بعضه صحيح ، وبعضه فاسد. أما الصحيح فقولهم : الصّرف : أي ينصرف بالفعل الثاني عن معنى الأول ، وهذا هو معنى قولنا : إن الثاني يخالف الأول. فأما انتصابه بالصرف فخطأ ، ولا بدّ له من ناصب مقتض له ، لأن المعاني لا تنصب الأفعال ، وإنما ترفعها المعاني ، والمعنى الذي يرفع الفعل هو وقوع الفعل موقع الاسم ، وجاز في الأفعال أن يرفعها المعنى ، كما جاز في الأسماء أن يرفعها المعنى ، أعني الابتداء ، لمضارعة الاسم للفعل ، فكما أن المضارعة في الفعل بمنزلة التمكن في الاسم ، في إيجابها جنس الإعراب لهما ، فكذلك وقوع الفعل موقع الاسم يوجب له الرفع ، كما أن ابتداء الاسم يوجب له الرفع ، وكما أن الأسماء لا تنتصب إلا بناصب لفظي ، فكذلك الأفعال لا تنتصب إلا بناصب لفظيّ.
__________________
(١) هذه الأشياء هي : «الأمر ، والنهي ، والتمني ، والاستفهام ، والنفي ، والدعاء ، والعرض» مضافا إليها الأمر الثامن وهو «الترجي».
(٢) سبق شرح هذا البيت.