واستطالتها ، هو من هذا الوجه في حكم الحركة ، والحركة في حكمه ، لأنه لا يمكن فصل الحركة منه ، والعود إلى استتمامه ، لأن هذه المدة المستطيلة إنما تسمى حرفا ليّنا ما دامت متصلة ، فمتى عقتها (١) عن الاستطالة بفصل ما فقد أخرجتها عن اللين والامتداد الذي في شرطها ، وإذا كانت الحركة لاتصالها بالحرف في حكمه ، كما أن الألف بعد الضاد في ضارب ، فكذلك الفتحة في الرتبة بعد الضاد.
وقول النحويين إنّ الحركة تحلّ الحرف مجاز ، لا حقيقة تحته ، وذلك أن الحرف عرض ، والحركة عرض أيضا. وقد قامت الدلالة من طريق صحة النظر على أن الأعراض لا تحلّ الأعراض ، ولكنه لما كان الحرف أقوى من الحركة ، وكان الحرف قد يوجد ولا حركة معه ، وكانت الحركة لا توجد إلا عند وجود الحرف ، صارت كأنها قد حلّته ، وصار هو كأنه قد تضمنها ، تجوّزا لا حقيقة.
واستدلّ أبو عليّ على أن الحركة تحدث مع الحرف ، بأنّ النون الساكنة إذا تحركت زالت عن الخياشيم إلى الفم ، وكذلك الألف إذا تحركت انقلبت همزة ، فدلّ ذلك عنده على أن الحركة تحدث مع الحرف ، وهو لعمري استدلال قويّ (٢).
قد فرغنا من ذكر مائية (٣) الأصوات والحروف والحركات ، وأين محل الحركات من الحروف. ونحن نتبع هذا القول ، على معنى قولهم ، حروف المعجم ، وعددها ، وأجناسها ، وأصنافها ، ثم نستأنف بعد ذلك القول على حرف حرف منها ، بحسب ما شرطنا على أنفسنا ، وجعلناه في ضمان كتابنا ، بإذن الله وقدرته.
__________________
(١) عقتها : أي حبستها. مادة (ع. وق). اللسان (٤ / ٣١٧٣).
(٢) في هامش ب ما نصه : «حاشية. في الأصل بخط ابن جني المصنف ـ رحمه الله ـ قد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالخصائص ما يقدح في قول أبي علي رحمه الله هذا ، وأرينا أن الأثر قد يكون قبل وجود مؤثره ، أعني باب ... وعمبر وشمباء. تمت) وهي في متن ص مختصرة ومحرفة ، وأولها يشعر بتقدم تأليف كتاب الخصائص على سر الصناعة ، وقوله : فيما بعد» يشعر بأن كتاب الخصائص ألف بعد سر الصناعة ، وفي هذا تناقض ، ويزول التناقض إذا عرفنا أن ابن جني كان دائم التنقيح لمؤلفاته ، فيظهر أنه بعد إشارته للرد على أبي علي في هذا الكتاب ، بدا له أن يشبع القول فيه مبينا فساده ، فألحق أدلة ذلك بكتابه الخصائص (ص ٢٩ من النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم ٥ نحو ش).
(٣) المائية : الماهية ، وهي حقيقة الشيء التي يسأل عنها بما ، أو بما هو؟.