وعلى هذا (١) وجدت في بعض المصاحف (يَسْتَهْزِؤُنَ) بالألف قبل الواو.
ووجد فيها أيضا : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٢) بالألف بعد الياء. وإنما ذلك لتوكيد التحقيق.
وهذه علة في الهمزة كنت قديما ، أنا رأيتها ، ثم غبرت (٣) زمانا ، فرأيت بعض كلام أبي بكر محمد بن السّريّ ـ رحمه الله ـ ، وقد أوردها فيه غير مسندة إلى غيره ، ثم إني رأيتها بعد ذلك في بعض كلام الفرّاء ، فلا أدري : أأصاب أبا بكر مع الفراء ما أصابني أنا من المواردة (٤) له ، أم هو شيء سمعه ، فحكاه واعتقده؟ وهي دلالة قاطعة قوية.
وفيها دلالة أخرى ، وهي أن كل حرف سميته ففي أول حروف تسميته لفظه بعينه ، ألا ترى أنك إذا قلت : جيم ، فأول حروف الحرف «جيم». وإذا قلت : دال ، فأول حروف الحرف «دال» ، وإذا قلت حاء ، فأول ما لفظت به حاء ، وكذلك إذا قلت ألف ، فأول الحروف التي نطقت بها همزة. فهذه دلالة أخرى غريبة ، على كون صورة الهمزة مع التحقيق ألفا.
فأما المدة التي في نحو : قام وسار وكتاب وحمار ، فصورتها أيضا صورة الهمزة المحققة ، التي في أحمد وإبراهيم وأترجّة (٥) ، إلا أن هذه الألف لا تكون إلا ساكنة ، فصورتها وصورة الهمزة المتحركة واحدة وإن اختلف مخرجاهما ، كما أن النون الساكنة في نحو : من وعن ، والنون المحرّكة في نحو : نعم ونفر ، تسمى كل واحدة منهما نونا ، وتكتبان شكلا واحدا ، ومخرج الساكنة من الخياشيم (٦) ، ومخرج المتحركة من
__________________
(١) الإشارة بهذا إلى مضمون الكلام السابق ، وهو أنها إذا لم تقع في أول الكلمة يخففها الحجازيون ويحققها غيرهم ، ولذلك توجد في بعض المصاحف محققة ، مكتوبة ألفا على طريقة غير الحجازيين.
(٢) يسبح : ينزه مادة «سبح». اللسان (٣ / ١٩١٤) ، ومعنى الآية : أن كل شيء ينزه الله سبحانه وتعالى ، والآية دليل على تحقيق بعض كتاب المصحف للألف في كلمة «شيئا».
(٣) غبرت : مضيت ، مادة (غبر). اللسان (٥ / ٣٢٠٥).
(٤) المواردة : اتفاق الخواطر. مادة (ورد).
(٥) أترجة : ثمر ذكي الرائحة. جمعها أترج. مادة (ت. ر. ج). اللسان (١ / ٤٢٥).
(٦) الخياشيم : واحدها الخيشوم وهو الأنف. مادة (خ. ش. م) اللسان (٢ / ١١٦٨).