وذلك أن همزة الوصل كانت تأتي مكسورة ، كما جرت العادة فيها ، ولو كسرت قبلها لانقلبت الألف ياء ، لانكسار ما قبلها ، فكنت تقول : «اي» ، فلا تصل إلى الألف التي اعتمدتها (١). فلما لم يجز ذلك عدلوا إلى اللام من بين سائر الحروف ، لما أذكره لك.
وذلك أن واضع الخط أجراه في هذا على اللفظ ، لأنه أصل للخط ، والخط فرع على اللفظ ، فلما رآهم قد توصّلوا إلى النطق بلام التعريف ، بأن قدّموا قبلها ألفا ، نحو : الغلام والجارية ، لمّا لم يمكن الابتداء باللام الساكنة كذلك أيضا ، قدم قبل الألف في «لا» ، لاما ، توصّلا إلى النطق بالألف الساكنة ، فكان في ذلك ضرب من المعاوضة (٢) بين الحرفين. وهذا بإذن الله غير مشكل.
فإذا كنا قد أجمعنا إيراد حروف المعجم على ما في أيدي الناس من التأليف المشهور ، أعني على غير ترتيب المخارج ، وذكرها حرفا حرفا ، فليس ذلك بمانع لنا سوقها على ترتيب المخارج ، فإنه أوضح في البيان ، ثم نعود فيما بعد إلى استقرائها على تأليف ا ب ت ث ، إلى أن نأتي بإذن الله على جميعها.
__________________
(١) اعتمدتها : اعتمد الشيء أي عليه اتكأ. مادة (عمد). اللسان (٤ / ٣٠٩٧). وفاعل اعتمد : ضمير يرجع إلى الألف ، وها : عائد على الهمزة. والمعنى : أن الألف اعتمدت الهمزة ، أي اتكأت عليها ، ليمكن النطق بها.
(٢) المعاوضة : المبادلة ، مادة (عوض). اللسان (٤ / ٣١٧٠).
* * *