الذي لا يشوبه كدر ، أو غير ذلك من الألفاظ ، ولم يقله ، وفي الحذف في الكلام مع الدلالة على المراد فائدة ؛ لأن النفس تذهب فيه كل مذهب ، ولو ورد ظاهرا في الكلام لاقتصر به على البيان الذي تضمنه ، فكان حذف الجواب أبلغ لهذه العلة ، كما تقول : لو رأيت عليّا بين الصفين ، وتحذف الجواب ، فيذهب السامع كل مذهب ، ولو قلت : لو رأيت عليا عليهالسلام بين الصفين لرأيت شجاعا ، أو لرأيت رجلا يقتل الأبطال ، أو ما يجري هذا المجرى ، لم يكن في العظم عند السامع بمنزلة حذف الجواب ، لأنه يذهب مع الحذف كل مذهب ، ولا يعوّل على نفس ما كان يرد في اللفظ فقط.
ومما قصد به الإيجاز حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه بحيث يقع العلم ويزول اللبس ، كقوله تبارك وتعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢]. والمعنى : أهل القرية وأصحاب العير.
وكان أبو الحسن علي بن عيسى الرماّني يسمى هذا الجنس ـ وهو إسقاط كلمة لدلالة فحوى الكلام عليها ـ : الحذف ، ويسمى بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف : القصر ، ويجعل الإيجاز على ضربين : القصر والحذف ، وكان يسمي العبارة عن المعنى بالكلام الكثير مع أن القليل يكفي فيه : التطويل ، ويسمي العبارة عن المعنى بالكلام الكثير الذي يستفاد منه إيضاح ذلك المعنى وتفصيله : الإطناب ، ويجعل التطويل عيبا وعيّا ، والإطناب حسنا ومحمودا ، وهذا المذهب من أبي الحسن موافق لما اخترناه ، لأنه يذهب إلى حسن الإطناب الذي هو عنده طول الكلام في فائدة وبيان ، وإخراج للمعنى في معاريض مختلفة وتفصيل له ليتحققه السامع ويستقر عنده فهمه ، وهذا الذي اخترناه وقلنا إنه على التحقيق ألفاظ كثيرة ومعان كثيرة ، وكذلك قد وافقناه في استقباح التطويل وحمد الإيجاز على ما فسره من معنييهما عنده.
ويجب أن نحدّ الإيجاز المحمود بأن نقول : هو إيضاح المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ ، وهذا الحدّ أصحّ من حدّ أبي الحسن الرماني بأنّه العبارة عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ ، وإنما كان حدّنا أولى لأنا قد احترزنا بقولنا : إيضاح ، من أن تكون العبارة عن المعنى وإن كانت موجزة غير موضّحة له ، حتى يختلف الناس في فهمه ، فيسبق إلى قوم