تردّت به ثم انفرى عن أديمها |
|
تفرّي ليل عن بياض نهار (١) |
وقال : إنه وصف في البيت الأول الحباب بالبياض حين شبّهه بالشيب ولم يشبه الشيب في شيء إلا في بياضه ، ووصف الخمر بالسواد حين شبهها بسواد العذار ، ثم وصف الحباب في البيت الثاني بالسواد حين شبهه بتفري الليل ، ووصف الخمر بالبياض حين قال : بياض نهار ، وكون كلّ واحد من الحباب والخمر أسود وأبيض مستحيل.
وقد سأل أبو الفرج نفسه فقال : إن قيل : إنه لم يصف الحباب في البيت الثاني بالسواد ، وإنما شبّهه بالليل في تفرّيه وانحساره عن النهار دون نفس اللون ، وأجاب عن هذا بأن أبا نواس قد صرح بأنه لم يرد غير اللون فقط لقوله : عن بياض نهار ، وفي هذا الشعر نظر وتأمل ليس هذا موضع تقصّيه ، وإنما الغرض هنا التمثيل.
وقد فرق بين المستحيل والممتنع بأن المستحيل هو الذي لا يمكن وجوده ولا تصوره في الوهم ، مثل كون الشيء أسود أبيض وطالعا نازلا ، فإن هذا لا يمكن وجوده ولا تصوره في الوهم ، والممتنع هو الذي يمكن تصوره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده ، مثل أن يتصور تركيب بعض أعضاء الحيوان من نوع في نوع آخر منه ، كما يتصور يد أسد في جسم إنسان ، فإن هذا وإن كان لا يمكن وجوده فإن تصوره في الوهم ممكن ، وقد يصح أن يقع الممتنع في النظم والنثر على وجه المبالغة ولا يجوز أن يقع المستحيل ألبتة ، فأما قول أبي عبادة :
لما مدحتك وافاني نداك على |
|
أضعاف ظنّي فلم أظفر ولم أخب (٢) |
فليس هذا من المتناقض ، لأنه من جهتين على ما ذكرناه فيما تقدم ، ألا ترى أن معناه لم أظفر بنفس ما ظننته ، لأنك زدت عليه فكأنّ ظنّي لم يصدق ، لأنه لو صدق لكان وقع
__________________
(١) تردت به : اتخذته رداء ، وتفرى : تشقق وانشق. وانظر «ديوانه» ص.
(٢) «ديوان البحتري» (٢ / ٩٦). وفي المطبوع : سألتك ، بدل مدحتك. فلم أخفق ، بدل فلم أظفر.