وأما التحرّز مما يوجب الطعن فأن يأتي بكلام لو استمر عليه لكان فيه طعن ، فيأتي مما يتحرز به من ذلك الطعن ، كقول طرفة :
فسقى ديارك غير مفسدها |
|
صوب الربيع وديمة تهمى (١) |
فلو لم يقل : غير مفسدها ، لظنّ به أنه يريد توالي المطر عليها ، وفي ذلك فساد للديار ومحو لرسومها ، كما عابوا قول ذي الرمّة :
ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى |
|
ولا زال منهلا بجرعائك القطر (٢) |
وقالوا : إذا لم يزل القطر منهلا عليها عفى آثارها ودرس معالمها ، فاحترز طرفة بقوله : غير مفسدها ، من هذا الطعن ، على أنّ ذا الرمّة قد احترز بقوله : ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى ، ولأجل هذا الغرض قال الرضيّ (رحمهالله) في وصف المطر المستسقى به القبر ـ وذكر السحابة :
تجري وذاك الرمس غير مروّع |
|
منها وذاك الترب غير مثار (٣) |
واستقبح قول أبي الطيب المتنبي في مثله :
لساحيه على الأجداث حفش |
|
كأيدي الخيل أبصرت المخالي (٤) |
ومن الاحتراز أيضا قول عبد الله بن المعتز بالله في صفة الخيل :
صببنا عليها ظالمين سياطنا |
|
فطارت بها أيد سراع وأرجل |
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة له في مدح قتادة بن مسلمة الحنفي ، وكان أصاب قومه جدب فبذل لهم ، وصوب الربيع : مطره ، والديمة : المطر الدائم. «ديوان طرفة» ٦٢ ، معاهد التنصيص ١ / ١٢٢ الدرر اللوامع ١ / ٢٠١ ، همع الهوامع ١ / ٢٤١.
(٢) «ديوان ذي الرمّة» ص ١٠٢.
(٣) «ديوان الشريف الرضي» (١ / ٤٥٣).
(٤) الساحي : الذي يقشر الأرض بشدة انصبابه ، والأجداث : القبور ، وحفش : وقع شديد ، والمخالي : التي يوضع فيها الشعير للخيل. وانظر «ديوانه» (٢ / ١٣).