وعن الأصمعي أنّ إسحاق بن إبراهيم الموصلى أنشده (١) :
هل إلى نظرة إليك سبيل |
|
فيروّى الصدى ويشفى الغليل |
إن ما قلّ منك يكثر عندي |
|
وكثير ممن يحبّ القليل |
فقال له الأصمعي : لمن تنشدني؟ فقال : لبعض الأعراب ، فقال : هذا والله هو الديباج الخسرواني ، قال : فإنهما لليلتهما ، قال : لا جرم والله إنّ آثار الصّنعة والتكلف بيّن عليهما.
وذهب غير هؤلاء من أهل العلم بالشعر ، فقال : إن الطرق في نقد الشعر ما قدمناه من نعوت الألفاظ والمعاني ، فأما قائله وتقدّم زمانه أو تأخّره فلا تأثير له في ذلك ، لأن القديم كان محدثا والمحدث سيصير قديما والتأليف على ما هو عليه لا يتغير ، وفي المحدثين من هو أشعر من جماعة من المتقدمين ، وفي المتقدمين من هو أشعر من جماعة من المحدثين ، وإلى هذا كان يذهب أبو عثمان الجاحظ وأبو العبّاس المبرّد وأبو عبادة البحتري وأبو العلاء بن سليمان آنفا ، وهو الصحيح الذي لا يعترض العاقل فيه شك ولا شبهة ، وسنتكلم على ما تعلقت به تلك الطائفة من الشبه الفاسدة.
أما من ذهب إلى تفضيل المتقدم بمجرّد تقدم زمانه فإنه لم يذهب في ذلك إلى علة غير مجرد الدعوى ، فلو قال له قائل : شعر المحدثين أفضل لتأخر زمانهم لم يكن بين القولين فرق ، ثم يقال له : ما عندك في امرىء القيس؟ أهو عندك في الطبقة الأولى من الشعراء أم ليس في الطبقة الأولى؟ فإن قال : هو في الطبقة الأولى ، قيل له : ولم؟ وقد كان قبله جماعة من الشعراء معروفين ، أحدهم ابن حذام الذي قيل : إنه أول من بكى على الديار ، وذكره امرؤ القيس في شعره فقال :
__________________
(١) «الموازنة» للآمدي : ص (٢٤).