عوجا على الطلل المحيل لعلّنا |
|
نبكي الديار كما بكى ابن خذام (١) |
وإذا كان زمان امرىء القيس قد تأخر عن زمان جماعة من الشعراء فيجب تفضيلهم عليه ، لأنك قلت : إنما يفضّل بتقدم الزمان فقط ، فإن قال : ليس امرؤ القيس في الطبقة الأولى ، بل من كان قبله أشعر وأحق بالتقدم ، قيل أولا : إن هذا خلاف لكافة من يفضل أشعار المتقدمين على المحدثين ، لأنهم ما اختلفوا في أن امرأ القيس في الطبقة الأولى.
ثم خبرنا عن الطبقة التي امرؤ القيس منها ، أعرفت أنّ مواليدهم في وقت واحد حتى قطعت على أنهم طبقة لتساويهم في زمان الوجود؟ فإن قال : نعم ، كذب ، لأن في تلك الطبقة قوما لم يلحق أحد منهم زمان الآخر ، وقد جعل الأعشى فيهم وهو بعد امرىء القيس بمدة طويلة وإن قال : لا يراعى في تفضيل المتقدمين على المحدثين قليل الزمان ، وإنما المؤثر في ذلك الزمان الكثير ، قيل له : فخبّرنا عمن بينه وبين الأعشى من الزمان مثل ما بين الأعشى وامرىء القيس ، أيجوز أن يجعل شعره في طبقة شعر الأعشى؟ فإن قال : لا. قيل له : ولم؟ وأنت قد ألحقت الأعشى بامرىء القيس وبينهما مثل ذلك من الزمان ، واعتللت بأنه لا يؤثر ، فكيف صار بعد الأعشى مؤثرا في إلحاق من بعده به؟ وإن قال : يجوز أن يجعل في طبقة الأعشى من كان بعده بمثل الزمان الذي بينه وبين امرىء القيس ، قيل : أيجوز أن يجعل في طبقة هذا الشاعر من كان بعده بمثل الزمان الذي بين الشاعر الأول والأعشى؟ فإن قال : لا. يسأل عن السبب في ذلك. قيل له : ما قيل في الشاعر الأول ، ولا سبيل له إلى الفرق ، وإن قال : نعم. ألزم أن يكون شعر بعض شعرائنا اليوم في طبقة امرىء القيس بهذا الترتيب والنسق ، وأن يجعل الشعر في طبقة من هو قبله والأول في طبقة من هو قبله حتى يكون بعض شعرائنا اليوم وامرؤ القيس في طبقة واحدة ، وهذا خلاف ما يذهبون إليه.
__________________
(١) شرح ديوان امرىء القيس ٢٠٠. عوجا : ميلا ، والمحيل : المتغير. وابن خذام بالخاء أو الحاء.