وقد ذكرت في نقد الكلام ألا يكون المعنى فاحشا ، وعيب شعر أبي عبد الله الحسين ابن أحمد بن الحجاج بما تضمنه من فحش المعاني ، وليس الأمر عندي على ذلك ، لأن صناعة التأليف في المعنى الفاحش مثل الصناعة في المعنى الجميل ، ويطلب في كل واحد منهما صحة الغرض وسلامة الألفاظ على حد واحد ، وليس لكون المعنى في نفسه فاحشا أو جميلا تأثير في الصناعة ، ولهذا ذهب قوم إلى استحسان المعنى الغريب ، وليس للاختراع في المعنى نفسه تأثير إلا كما للمتداول وقد أومأنا إلى هذا فيما تقدم ، وبينا أنه شيء لا يرجع إلى الشعراء دون المعاني والشبهة في مثل هذا ضعيفة جدا.
وذهب قوم أيضا إلى حسن الترديد ، وهو أن يعلق الشاعر لفظة في البيت بمعنى ثم يردّدها فيه بعينها ويعلّقها بمعنى آخر ، كما قال زهير :
من يلق يوما على علاته هرما |
|
يلق السماحة منه والندى خلقا (١) |
وقال أبو نواس :
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها |
|
لو مسّها حجر مسته سراء (٢) |
وهذا عندي لا تعلق له بالنقد ، لأن التأليف في هذا الترديد كسائر التأليف في الألفاظ التي لا تستحق به حمدا ولا ذما ، ولا يكسبها حسنا ولا قبحا.
وقد صنف قوم في نقد الشعر رسائل ذكروا فيها أبوابا من الصناعة لا تخرج عما ذكرناه في كتابنا هذا ، إلا أنهم ربما جعلوا للمعنى الواحد عدة أسماء ، كالترصيع يسمونه ترصيعا وموازنة وتسميطا وتسجيعا ، وهو كله يرجع إلى شيء واحد ، وإذا وقف على ما صنفوه في هذا الباب وجد الأمر فيما قلنا ظاهرا ، والتكرير بيّنا واضحا.
__________________
(١) «ديوان زهير» ص ٧٧ ، «خزانة الأدب» (٢ / ٢٩٦) ، «المعجم المفصل» (٥ / ١٢٣).
(٢) «ديوان أبي نواس» ص ٦٢ ، ط المكتبة الثقافية ـ بيروت.