ويفتقر أيضا من العلم بالقوافي إلى معرفة الحروف والحركات التي يلزم إعادتها ، وما يصلح أن يكون رويا أو ردفا مما لا يصح.
ويحتاج أيضا إلى معرفة المشهور من أخبار العرب وأحاديثها وأنسابها وأمثالها ومنازلها وسيرها ، وصفة الحروب التي كانت لها ، وما له قصة مشهورة وحديث مأثور ، فإنه قد يفتقر في النظم إلى ذكر شيء منه ، ويكون للمعنى به تعلق شديد ، وإذا ورد استحسن.
ويحتاج الكاتب أيضا إلى جميع هذا أيضا ، ويختص بما يفتقر إليه من معرفة المخاطبات وفنون المكاتبات والتوقيعات ، ورسوم التقليدات ، مع الإطلاع على كتاب الله تعالى وشريعته وحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسنّته ، فإنه مدفوع إلى تقليد الولاة وعهود القضاة والتوقيعات في المظالم والمكاتبة في ضروب الحوادث.
وبالجملة إن مؤلف الكلام لو عرف حقيقة كل علم واطلع على كل صناعة لأثر في ذلك في تأليفه ومعانيه وألفاظه ، لأنه يدفع إلى أشياء يصفها ، فإذا خبر كل شيء وتحققه كان وصفه له أسهل ونعته أمكن ، إلا أن المقصود في هذا الموضع بيان ما لا يسعه جهله دون ما إذا علمه أثّر عنده علمه ، فإن ذلك لا يقف على غاية.
والوصية لهما ترك التكلف ، والاسترسال مع الطبع ، وفرط التحرز وسوء الظن بالنفس ، ومشاورة أهل المعرفة ، وبغض الإكثار والإطالة ، وتجنب الإسهاب في فن واحد من فنون الصناعة ، فإن كلام الإنسان ترجمان عقله ، ومعيار فهمه ، وعنوان حسه ، والدليل على كل أمر لولاه لخفي منه ، وبحسب ذلك يحتاج إلى فضل التثقيف ، واجتماع اللب عند النظم والتأليف.
وإذ قد انتهى بنا القول إلى هذا الموضع فالواجب أن نختم الكتاب ، لأنا قد وفينا بجميع ما شرطناه في أوله ، وقد كنا عزمنا على أن نصله بقطعة مختارة من النظم والنثر ، يتدرّب بالوقوف عليها في فهم ما ذكرناه من أحكام البلاغة ، وكشفناه من أسرار الفصاحة ،