وكما أنشد سيبويه :
وداهية من دواهي المنو |
|
ن ترهبها الناس لا فا لها (١) |
فجعل للداهية «فما» استعارة ، وكشف هذا شاعر محدث فقال :
وسألت من لا يستجيب فكنت في اس |
|
تخباره كمجيب من لا يسأل (٢) |
ويكشف هذا المعنى للمتأمل أن العرب لشرف الكلام عندهم وأن القليل المفيد منه عندهم كثير يقولون : «وقال فلان في كلمته» يريدون القصيدة ، وكشف هذا المتأخّر ما أريد فقال :
ورسائل قطع العداة سحاءها |
|
فرأوا قنا وأسنّة وسنّورا (٣) |
وهل هو إلا كلام ، وقد ترى تفصيله إيّاه بالقنا والسنّور ، وقد قال الأول :
والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر
وقال آخر (٤) :
فإن القوافي يتّلجن موالجا |
|
تضايق عنها أن تولّجها الإبر |
وهذا كله إنما أوردته نصرا لنطقهم بتكلّم مثقل العين على لفظ المبالغة ، ولم يستعملوه على وجهين مخففا ومثقلا.
فيقال لأبي طالب : إن كنت أوردت ما ذكرته عن سيبويه على وجه الإستدلال به فلا حجة فيه ، لأنا لسنا نخالفك في هذه المسألة وحدك ، وإنما نخالف فيها سيبويه وغيره من النحويين الذين ذهبوا إلى أن الكلام هو المفيد دون غيره ، وكيف يكون قول خصومنا
__________________
(١) هذا البيت من رواية سيبويه ، والبيت للخنساء ، ومعنى لا فالها : لا مدخل الى معاناتها والتداوي منها ، أي : هي داهية مشكلة ، الكتاب ١ / ١٥٩ ، «شرح المفصّل» ١ / ١٢٢.
(٢) البيت للبحتري في «ديوانه» (١ / ٢٧).
(٣) السحاء : ما يشد به الكتاب والرسالة ، والسنور : الدروع «ديوان المتنبي» (٢ / ٢٨٩).
(٤) هو طرفة بن العبد.