فصاحة الألفاظ
ونبتدىء الآن بالكلام فيما أجرينا القول إليه ونقول : إن الفصاحة على ما قدمنا نعت للألفاظ إذا وجدت على شروط عدة ، ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ ، وبحسب الموجود منها تأخذ القسط من الوصف ، وبوجود أضدادها تستحق الاطراح والذم وتلك الشروط تنقسم قسمين : فالأول منها يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شيء من الألفاظ وتؤلف معه ، والقسم الثاني يوجد في الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض.
فأما الذي يوجد في اللفظة الواحدة فثمانية أشياء :
الأول : أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج على ما ذكرناه في الفصل الرابع (١) ، وعلة هذا واضحة ، وهي أن الحروف التي هي أصوات تجري من السمع مجرى الألوان من البصر ، ولا شك في أن الألوان المتباينة إذا جمعت كانت في المنظر أحسن من الألوان المتقاربة ، ولهذا كان البياض مع السواد أحسن منه مع الصفرة ، لقرب ما بينه وبين الأصفر وبعد ما بينه وبين الأسود ، وإذا كان هذا موجودا على هذه الصفة ، لا يحسن النزاع فيه ، كانت العلة في حسن اللفظة المؤلفة من الحروف المتباعدة في العلة في حسن النقوش إذا مزجت من الألوان المتباعدة ، وقد قال الشاعر في هذا المعنى :
فالوجه مثل الصبح مبيض |
|
والفرع مثل الليل مسودّ |
ضدّان لما استجمعا حسنا |
|
والضدّ يظهر حسنه الضدّ |
وهذه العلة يقع للمتأمل وغير المتأمل فهمها ، ولا يمكن منازع أن يجحدها.
__________________
(١) فصل في اللغة ص ٤٣.