ولعل الذين يغضّون من العربية ويضعون من مقدارها ، ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها ، حيث لم يجعل حيرة رسله وخير كتبه في عجم خلقه ولكن في عربه ، لا يبعدون عن الشعوبية منابذة للحقّ الأبلج ، وزيغا عن سواء المنهج. والذي يقضى منه العجب حال هؤلاء في قلة إنصافهم ، وفرط جورهم واعتسافهم. وذلك أنهم لا يجدون علما من العلوم الإسلامية فقهيّا وكلامها وعلمي تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بين لا يدفع ، ومكشوف لا يتقنّع. ويرون الكلام في معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيا على علم الإعراب والتفاسير مشحونة بالروايات عن سيبويه والأخفش والكسائيّ والفراء وغيرهم من النحويين البصريين والكوفيين والإستظهار في مآخذ النصوص بأقاويلهم ، والتشبث بأهداب فسرهم وتأويلهم. وبهذا اللسان مناقلتهم في العلم ومحاورتهم ، وتدريسهم ومناظرتهم. وبه تقطر في القراطيس أقلامهم. وبه تسطر الصكوك والسجلات حكامهم. فهم ملتبسون بالعربية أية سلكوا غير منفكين منها أينما وجّهوا كلّ عليها حيثما سيّروا. ثمّ إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها وتعليمها ، ويدفعون خصلها ، ويذهبون عن توقيرها وتعظيمها ، وينهون عن تعلّمها وتعليمها ، ويمزقون أديمها ، ويمضغون لحمها. فهم في ذلك على المثل السائر : الشعير يؤكل ويذمّ ، ويدّعون الإستغناء عنها. وإنهم ليسوا في شقّ منها. فإن صحّ ذلك فما بالهم لا يطلّقون اللغة رأسا والإعراب ، ولا يقطعون بينهما وبينهم
__________________
وان كان في ألفاظ البيت اختلاف في الرواية سردتها وعزوت كل رواية إلى راويها أو إلى الكتاب الذي وجدتها فيه مع بيان معناها ، وختمت الكلام على كل بيت ببيان معناه إن كان في المعني غموض وإجمال وإلا تركت ذلك واعتمدت على ذهن القارىء في فهم المعنى ولم أنقل من ألفاظ القصيدة التي منها بيت الشاهد إلا مطلع القصيدة غالبا أو ما يتوقف عليه فهم معنى البيت أو ظهور وجه الاعراب فيه على الدوام. واقتصرت من وجوه الاعراب على المذهب المشهور والقول المنصور وما لا يحتاج في تصحيحه أو توضيحه إلى تقدير بعيد أو نكلف شديد. وأعرضت عما سوى هذا من مهجور الأقوال وشاذها فانما المقصود من علم العربية إقامة اللسان ومجانبة الخطأ في الاعراب واللحن في القول ليتوسل بذلك إلى فهم معاني كلام