الأسباب؟ فيطمسوا من تفسير القرآن آثارهما ، وينفضوا من أصول الفقه غبارهما. ولا يتكلموا في الإستثناء فإنه نحو ، وفي الفرق بين المعرّف والمنكر فإنه نحو ، وفي التعريفين تعريف الجنس وتعريف العهد فإنهما نحو ، وفي الحروف كالواو والفاء وثم ولام الملك ومن التبعيض ونظائرها ، وفي الحذف والإضمار ، وفي أبواب الإختصار والتكرار ، وفي التطليق بالمصدر واسم الفاعل ، وفي الفرق بين أنّ وإنّ وإذا ومتى وكلما وأشباهها مما يطول ذكره ، فإن ذلك كلّه من النحو. وهلّا سفهوا رأي محمد بن الحسن الشيبانيّ رحمه الله فيما أودع كتاب الإيمان؟ وما لهم لم يتراطنوا في مجالس التدريس وحلق المناظرة ، ثم نظروا هل تركوا للعلم جمالا وأبّهة؟ وهل أصبحت الخاصة بالعامة مشبّهة؟ وهل انقلبوا هزأة للساخرين وضحكة للناظرين؟ هذا وإن الإعراب أجدى من تفاريق العصا. وآثاره الحسنة عديد الحصى. ومن لم يتق الله في تنزيله ، فاجترأ على تعاطي تأويله ، وهو غير معرب ، فقد ركب عمياء وخبط خبط عشواء ، وقال ما هو تقوّل وافتراء وهراء ، وكلام الله منه براء. وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان ، المطلع على نكت نظم القرآن ، الكافل بإبراز محاسنه ، الموكل بإثارة معادنه ، فالصّادّ عنه كالسّادّ لطرق الخير كيلا تسلك ، والمريد بموارده أن تعاف وتترك.
ولقد ندبني ما بالمسلمين من الإرب ، إلى معرفة كلام العرب ، وما بي من الشفقة والحدب ، على أشياعي من حفدة الأدب ، لإنشاء كتاب في
__________________
الله جل شأنه والاحاطة بأسرار تنزيله. ومثل هذا الذي ذكرنا لك أننا خاشينا الخوض فيه إن لم يكن صارفا عما ذكرنا من الغرض من علم الاعراب فهو من غير شك إضاعة للوقت فيما لا يفيد وأشغال للنفس بلا جدوى. وجدير بذي اللب أن لا يصرف شيئا من أمره في مثل هذا. وما زال علم العربية سهلا على محاوله قريبا من يد متناوله والناس في معرفته سواسية غير نفر كانوا في عداد الانعام حتى أدخل العلماء فيه ما ليس منه وشوهوا وجه محاسنه وضيقوا مسالكه فشق على طالبيه وقل جدا عدد المشتغلين فيه. ثم لبس بعد الألف من الهجرة النبوية ثوبا غير ثوبه الثاني فصار أشبه شيء بعلم التوحيد في العصرين الأول والثاني من تدوينه وإقبال العلماء عليه. وصارت تقام البراهين وتشاد الأقيسة على مسائله وملحقاتها ومستتبعاتها