إذا عثر على شيء طغى به القلم ، أو زلّت به القدم ، أن يغتفر ذلك في جنب ما قرّبت إليه من البعيد ، ورددت عليه من الشّريد ، وأرحته من التعب ، وصيّرت القاصي يناديه من كثب ، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو ، وأن الصّارم قد ينبو ، وأن النار قد تخبو
______________________________________________________
ولا مانع من إضافته ، والحسد ظلم ذي النعمة بتمني زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد ، شبهه بالداء الذي يفسد به الجلد ولهذا عبر بالأديم عن القلب (إذا عثر على شيء طغى به القلم ، أو زلت به القدم) الظرف يتعلق بسائل وعثر بمثلثة ، أي : اطلع : يقال عثر عليه يعثر يفتح العين في الماضي وضمها في المضارع عثرا ، كقتلا ، وعثورا ، كقعودا ، وطغى تجاوز الحد ، وخرج عن طريق الاستقامة وهو يائي اللام وواويها ، يقال طغى طغيانا ، وطغى طغوانا.
والقلم : معروف ، وهو القصبة التي يكتب بها ، وزلة القدم : خروجها غلبة عن الموضع الذي ينبغي ثباتها فيه ، وكلاهما كناية عن وقوع الخطأ ، وصدور ما لا ينبغي ، والمعنى إذا عثر على شيء حاولت فيه الصواب ، فحدت عنه بغير اختيار ، والباء من به في الموضعين سببية أو ظرفية ، وفي القلم والقدم الجناس المضارع ، وتعريفهما باللام للدلالة على أنه أريد بهما قلم معين وقدم معينة ، وهما قلم المصنف وقدمه ، فهذا تعريف لامي قائم مقام التعريف الإضافي ، وليست اللام عوضا عن المضاف كما يراه الكوفيون ، وسيأتي فيه كلام في أل من حرف الألف المفردة.
(أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت عليه من البعيد ورددت عليه من الشريد وأرحته من التعب وصيرت القاصي يناديه من كثب) الغفر الستر ، أي : أسأل من وصف بحسن السجية ، والسلامة من الحسد أن يستر ما اطلع عليه من سهو وخطأ في جنب ما ذكرته من المحاسن ، أي يجعل المساوىء مدفونة في جانب المحاسن بحيث يكون هذا الجانب مغطيا لتلك وساترا لها ، وفيه إشارة إلى أن إماتة المساوىء بالإعراض عنها من حيث جعلها كالمقبور في الرمس (١) ، وآثر يغتفر على يغفر للمبالغة في الستر ، والشريد : الطريد ، والقاصي بالصاد المهملة : البعيد ، وهو صفة للمعنى ، وإسناد ينادي إلى ضميره مجاز ، والكثب القرب بفتح الكاف والثاء المثلثة.
(وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو وأن الصارم قد ينبو وأن النار قد تخبو) أن يحضر معطوف على أن يغتفر ، وهو مفعول سائل الثاني ، وأن الجواد قد يكبو مفعول يحضر ، وما بعده
__________________
(١) الرمس : هو القبر ، وما يحثى على الميت من التراب ، وأصله الدخن وحثي التراب عليه ، يقال : رمسه بالتراب. اه. انظر : اللسان ، مادة / رمس / ، وتاج العروس ، مادة / رمس /.