أنني تأمّلت كتب الإعراب فإذا السبب الذي اقتضى طولها ثلاثة أمور :
أحدها : كثرة التّكرار ، فإنها لم توضع لإفادة القوانين الكليّة ، بل للكلام على الصور الجزئيّة.
فتراهم يتكلّمون على التركيب المعين بكلام ، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا ذلك الكلام ، ألا ترى أنّهم حيث مرّ بهم مثل الموصول في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٢ ، ٣] ذكروا أنّ فيه ثلاثة أوجه ،
______________________________________________________
بطول الفصل جدا ، ولفظ اعلم كثيرا ما يقدمه المصنفون أمام الكلام الذي يلقونه لغرض الاعتناء به واستدرار الإصغاء إليه ليقبل عليه السامع ويتمكن منه فضل تمكن ، ولا يخفى أن متعلق العلم هنا عند المصنف بهذه المثابة ، وهو قوله : (أنني تأملت) أي : نظرت متبينا (كتب الإعراب فإذا السبب الذي اقتضى طولها ثلاثة أمور) وهنا مضاف محذوف إما من المبتدأ ، أو من الخبر لتصحيح الحمل ، فالتقدير على الأول فإذا أنواع السبب ، أو أقسام السبب ، والتقدير على الثاني فإذا السبب الذي اقتصى طولها ذو ثلاثة أمور ، وإذا هذه فجائية فإما أن تجعل الفاء الداخلة عليها للسببية ، المراد منها لزوم ما بعدها لما قبلها ، أي : مفاجأة وجود سبب التطويل ناشئا عن هذه الأمور لازمة للتأمل ، أو هي للعطف على ظاهر كلام ابن الحاجب ، أي تأملت ففجأت وقت تعدد هذا السبب ، وسيأتي الكلام على ذلك عند وصول إذا الفجائية إن شاء الله تعالى.
(أحدها : كثرة التكرار فإنها لم توضع لإفادة القوانين الكلية) المنطبقة على ما يندرج تحتها من الجزئيات.
(بل للكلام على الصور الجزئية) فيسوقهم إلى الكلام على جزئية وإن تكررت (فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام ثم حيث جاءت نظائره أعادوا ذلك الكلام) فيفضي إلى كثرة التكرار فيحصل التطويل.
(ألا تراهم حيث مرّ بهم مثل الموصول في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٢ ـ ٣] ذكروا فيه ثلاثة أوجه) هي أوجه إعراب الاسم ، فالجر على أنه نعت تابع ، والرفع على أنه في الأصل نعت لكن قطع إلى الرفع بجعله خبرا لمبتدأ واجب الحذف ، أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، والنصب على أنه في الأصل نعت لكنه قطع إلى النصب بعامل واجب الحذف ، والقطع في هذه الصور بوجهيه لإرادة المدح ، وفي غيرها بحسب ما يقتضيه المقام من مدح أو ذم أو ترحم ، ووجه دلالة مثل هذا الرفع والنصب على ما قصد به مما ذكرناه من المدح والذم والترحم أن في الافتنان بمخالفة الإعراب ، وتغيير المألوف زيادة تنبيه وإيقاظ للسامع ،