والأمر الثاني : إيراد ما لا يتعلّق بالإعراب ، كالكلام في اشتقاق اسم ، أهو من السّمة كما يقول الكوفيّون ، أو من السّموّ
______________________________________________________
من عداه. ويفيده إياه ، ومن هذه الجهة شبه بالكنز الذي ينفع صاحبه الناس بما ينفقه منه ، وإن أراد أن ذلك أمر مستمر ، ولهذا عبر في الموضعين بالمضارع المفيد للاستمرار ، ويوجد في بعض نسخ هذا الكتاب تجد به مكان تجده ، فإن قلت هل من فرق بين النسختين؟ قلت : نعم فإن تجده في الأول بمعنى تعلمه ، ومنه : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) [الأعراف : ١٠٢] فالضمير المنصوب أول المفعولين وكنزا ثانيهما ، ومنهلا معطوف على الثاني ، وتجد في النسخة الثانية بمعنى تصب ، كما في قولهم وجد ضالته إذا أصابها.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد |
|
ذا عفة فلعلة لا يظلم (١) |
وبه لغو يتعلق بتجد ، وكنزا هو المفعول به فإن قلت فأيتهما أحسن؟ قلت : الثانية لاشتمالها على مبالغة ليست في الأولى ، وذلك ؛ لأن هذا من قبيل التجريد ، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله في تلك الصفة على سبيل المبالغة لكمال تلك الصفة فيه حتى بلغ من الاتصاف إلى حيث يصح أن ينزع منه موصوف آخر بتلك الصفة.
فإن قلت فلما هذه الباء؟ قلت : يجوز أن تكون سببية ، والمعنى أنك تجد بسبب وجوده كنزا ومنهلا ، فيكون التجريد فيه مثله في قولهم سألت بزيد البحر ، ولقيت به الأسد ، ويجوز أن تكون ظرفية فيكون التجريد فيه مثله في قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) [فصلت : ٢٨].
(الأمر الثاني) من الأمور التي اقتضت التطويل (إيراد ما لا يتعلق بالإعراب) وذلك فضول وتعرض إلى ما لا حاجة إليه في المقصود فيطول الكلام بإيراده (كالكلام في اشتقاق اسم) أي : هذا اللفظ مقولا في السؤال عنه. (أهو من السمة) وهي العلامة الأصل : وسمة فحذفت الفاء كما في عدة وعلى هذا فيكون اسم من قبيل المحذوف الفاء.
(كما يقول الكوفيون) وهم النحاة المنسوبون إلى الكوفة ، وهي بلد معروف ، ويقال لها كوفة الجند ؛ لأنها اختطت فيها خطط العرب في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه ، خططها السائب.
(أم من السموّ) وهو العلو والرفعة ، فيكون اسم من قبيل المحذوف اللام.
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو للمتنبي ، انظر خزانة الأدب للحموي ١ / ١٩٣ ، وقرى الضيف ١ / ٢٥٩.