قيل : ومنه باء البسملة ، لأن الفعل لا يتأتّى على الوجه الأكمل إلا بها.
والرابع : السببيّة ، نحو : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤] ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ، ومنه : «لقيت بزيد الأسد» ، أي : بسبب لقائي إياه ،
______________________________________________________
التعبير بالاستعانة في الأفعال المسندة إلى الله تعالى ، وجعل ضابط باء السببية أن يصح إسناد معداها إلى مصحوبها مجازا كما يقال : كتب القلم ، وأخرج الماء الثمرة ، وأثبت باء التعليل ومثل لها بنحو (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤] والضابط السابق صادق على هذا ألا ترى أن اتخاذ العجل سبب ظلمهم أنفسهم ، ويصح إسناد الفعل إلى السبب مجازا فكان حقه أن يسقط هذا المعنى ؛ لاندراج أمثلته تحت السببية ، والظاهر أن المصنف أسقط التعليل لهذا المعنى.
(قيل : ومنه باء البسملة ؛ لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها) وهذا أحد الوجهين اللذين جوزهما الزمخشري قال : والثاني أن يتعلق به تعلق الدهن بالإنبات في قوله :
(تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] على معنى متبركا باسم الله اقرأ ، يعني أن التقدير ملتبسا باسم الله ؛ ليكون المقدر من الأفعال العامة ، لكن المعنى بحسب القرينة متبركا فلهذا يجعل الظرف مستقرا لا لغوا ، ثم قال : وهذا الوجه أعرب وأحسن ، قال التفتازاني : أعرب أي أفصح وأبين وأدخل في العربية وأحسن أي : أوفق لمقتضى الحال ؛ لأن في استعمال الباء للتبرك باسم الله من التأدب ما ليس في جعله بمنزلة الآلة التي لا تكون مقصودة بالذات ، فبين وجه قوله أحسن ولم يبين وجه قوله أعرب ، ووجهه بعضهم بأن قال إنما كان هذا الوجه أعرب بمعنى أنه أدخل في العربية ؛ لأنه لا يتوقف إلا عليها فيتخرج عليها فقط بخلاف جعلها للاستعانة فإنه يتوقف على غير العربية ، وهو أن الشرع لما جعل الفعل إذا لم يبدىء باسم الله كلا فعل في عدم الكمال صح جعلها للاستعانة فتوقف الفعل على التسمية كتوقف الكتابة على القلم.
(الرابع) من المعاني الأربعة عشر (السببية نحو (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥٤]) ونحوه (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] فاتخاذهم العجل سبب في ظلمهم الأنفس وذنب كل سبب في أخذه (ومنه) قولهم (لقيت بزيد الأسد أي : بسبب لقائي إياه) وهذه هي الباء التجريدية ، ويظهر من كلامهم أن فيها قولين :
أحدهما : أنها للسببية كما قال المصنف فجردت من زيد أسدا مبالغة في كمال شجاعته حيث بلغ أن ينتزع منه أسد ، وقد أشار في «الكشاف» إلى أن باء التجريد سببية حيث قال في قوله تعالى : (الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] إنه يجوز أن يكون المعنى فاسأل بسؤاله خبيرا ، كقولك رأيت به أسدا أي : برؤيته ، والمعنى إن سألته وجدته خبيرا.