وقولهم : «هذا بذاك» ومنه (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل : ٣٢] ، وإنما لم نقدّرها باء السببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في «لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله» ، لأن المعطى بعوض قد يعطى مجّانا ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب ، وقد تبيّن أنه لا تعارض بين الحديث والآية ، لاختلاف محملي الباءين جمعا بين الأدلة.
والتاسع : المجاوزة كـ «عن» ، فقيل : تختص بالسؤال ، نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] بدليل (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) [الأحزاب : ٢٠] ؛
______________________________________________________
الضعف المثل إلى ما زاد قال الخليل : التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر (وقولهم : هذا بذاك) فوقعت هنا مستقرا ووقعت في المثالين المتقدمين لغوا (ومنه) أي من مجيئها للمقابلة قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل : ٣٢] وقوله : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف : ٧٢] (وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت المعتزلة ، وكما قال الجميع في) قوله عليه الصلاة والسّلام («لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» (١) لأن المعطى) بفتح الطاء اسم مفعول (بعوض قد يعطى) بالبناء للمفعول أيضا (مجانا) بفتح الميم وتشديد الجيم ، أي : بلا عوض وينبغي أن يكون مراد المصنف بالجميع أهل السنة ، وإلا فلو أراد أهل السنة وأهل الاعتزال جميعا ، لأشكل فإن المعتزلة قائلون باستحقاق الطائع لدخول الجنة ، فيكون العمل الصالح موجبا عندهم لذلك وسببا فيه ، فكيف يتأتى على قولهم أن تكون الباء سببية في الحديث (وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب ، وقد تبين) بما ذكرناه من جعل الباء للمقابلة في الآية ، وللسببية في الحديث (أنه لا تعارض بين الحديث والآية ؛ لاختلاف محملي الباءين) الواقعتين فيهما جميعا (جمعا بين الأدلة) الدالة على أن الله لا يجب عليه شيء ، وأنه وعد بالمجازاة على العمل الصالح بدخول الجنة تفضلا منه سبحانه وتعالى ، ويصح ضبط المحل هنا إما بكسر الميم على أنه اسم مكان ، إذ الآية محل لحمل الباء على المقابلة ، والحديث محل لحملها على السببية واسم المكان من الثلاثي على زنة المضارع ، ومضارع حمل بفتح الميم يحمل بكسرها فيكون اسم المكان منه كذلك ، وأما بفتحها على أنه مصدر ميمي أي : لاختلاف الحملين فللباء حمل في الآية مخالف لحملها في الحديث كما عرفت.
(والتاسع) من المعاني الأربعة عشر (المجاوزة كعن فقيل تختص بها بالسؤال نحو) (الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٢] أي عنه بدليل (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) [الأحزاب : ٢٠] وفي
__________________
(١) أخرجه مسلم ، كتاب صفة القيامة والجنة والنار ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (٢٨١٦) ، وأحمد في مسنده (٧٤٣٠).