وقيل : لا تختص به بدليل قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد : ١٢] ، (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥]. وجعل الزمخشري هذه الباء بمنزلتها في «شققت السّنام بالشّفرة» على أن «الغمام» جعل كالآلة التي يشق بها ، قال : ونظيره (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل : ١٨]. وتأوّل البصريّون (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] على أن الباء للسببيّة ، وزعموا أنها لا تكون بمعنى «عن» أصلا ، وفيه بعد ، لأنه لا يقتضي قولك «سألت بسببه» أن المجرور هو المسؤول عنه.
العاشر : الاستعلاء ، نحو : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] الآية ، بدليل (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٦٤] ،
______________________________________________________
كون هذا دليلا للحكم المذكور نظر (وقيل : لا تختص به بدليل قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد : ١٢]) أي عن أيمانهم وقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] أي : عن الغمام ، والاستدلال بذلك على عدم الاختصاص بالسؤال ظاهر (وجعل الزمخشري هذه الباء) الواقعة في الآية الثانية (بمنزلتها في شققت السنام) بفتح السين المهملة ، أعلى ظهر البعير (بالشفرة) بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء ، وهي السكين العظيم (على أن الغمام جعل كالآلة التي يشق بها) فتكون الباء في الآية للاستعانة ، لا للمجاوزة (قال) الزمخشري (ونظيره السماء منفطر به) أي : بذلك اليوم وهو المذكور في قوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ١٧ السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل : ١٧ ـ ١٨] وهذا وصف لليوم بالشدة أي : السماء على عظمها وإحكامها تنفطر به أي : تنشق فما ظنك بغيرها من الخلائق ، والتذكير على تأويل السماء بالسقف ، أو السماء شيء منفطر به أو هو على إرادة النسب ، أي : ذات انفطار به كما تقول امرأة لابن وتامر أي : ذات لبن وتمر قاله الخليل ، وفي «الكشاف» ويجوز أن يراد السماء مثقلة به أثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها (وتأول البصريون (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) على أن الباء سببية ، وزعموا أنها لا تكون بمعنى عن أصلا وفيه) أي : في هذا التأويل الذي ادعوه (بعد ؛ لأنه لا يقتضي قولك : سألت بسببه أن المجرور بالباء هو المسؤول عنه) بدليل أنك لو سألت بسبب زيد عن شيء آخر ساغ لك أن تقول : سألت بزيد ، والمقصود من مثل فاسأل به خبيرا أن يكون مجرور الباء مسؤولا عنه ، وتأويلهم لا يقتضيه فيكون بعيدا.
(العاشر) من المعاني الأربعة عشر (الاستعلاء نحو (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) [آل عمران : ٧٥]) فالشاهد منها في موضع آخر غير الذي تلاه وإلى ذلك أشار بقوله (الآية) فالباء فيها بمعنى على أي : تأمنه على قنطار وتأمنه على دينار (بدليل (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٦٤])