ومن دعوى كثرة الحذف ؛ إذ التقدير عند من جعلها للاستفهام : أمن هو قانت خير أم هذا الكافر ، أي المخاطب بقوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) [الزمر : ٨] فحذف شيئان : معادل الهمزة والخبر ؛
______________________________________________________
والجهل على الله سبحانه وتعالى مستحيل ، قال الشيخ بهاء الدين السبكي في «شرح التلخيص» : (لا شك أن الاستفهام طلب الفهم ولكن هل هو طلب فهم المستفهم ، أو وقوع فهم من لم يفهم كائنا من كان ، فإذا قال من يعلم قيام زيد لعمرو بحضور بكر الذي لا يعلم قيامه : هل قام زيد ، فقد طلب من المخاطب الفهم ، أعني فهم بكر ، وإذا كان كذلك فلا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه ، ولا مانع حينئذ من جعل الاستفهامات الواردة في القرآن على حقيقتها ، بناء على أن طلب الفهم مصروف إلى غير المستفهم كما في قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي) [المائدة : ١١٦] فهو استفهام حقيقي ، طلب به إقرار عيسى عليهالسلام في ذلك المشهد العظيم بأنه لم يقل ذلك ؛ ليحصل فهم النصارى ذلك ، فيتقرر عندهم كذبهم فيما ادعوه) ، هذا كلامه.
قلت : «ومنه سؤال جبريل النبي عليه الصلاة والسّلام عن الإيمان والإسلام والإحسان حيث قال : ما الإيمان؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالبعث ، قال : ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، وفي آخر الحديث : ثم أدبر فقال : ردوه فلم يروا شيئا فقال : هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم» (١) ، فقد استفهم جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ ليجيب بما أجاب فيفهم الحاضرون ويتعلموا دينهم ، ولم يكن غرضه طلب فهم نفسه ، بل فهم غيره ممن يستمع الجواب ، وهو على هذا استفهام حقيقي.
(و) الثاني سلامته (من دعوى كثرة الحذف ، إذ التقدير عند من جعلها للاستفهام : أمن هو قانت خير أم هذا الكافر ، أي المخاطب بقوله) أي بمكحي قوله : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) [الزمر : ٨] ولو جعل القانت غير القانت ، كافرا كان أو عاصيا لكان حسنا فإنه ذكر أولا مقابل القانت باعتبار القسمين أما الكافر فصريحا ، وأما غير المخلص فتلويحا.
(فحذف شيئان معادل الهمزة) وهو أم (والخبر) وهو خير ، بل ثلاثة أشياء ، هذان الأمران ومعادل مدخول الهمزة ، وهو ما دخلت عليه أم ، وهذا أليق بتقرير كثرة الحذف ، وكلام المصنف هذا صريح في أن أم المقدرة متصلة ، وأن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ولا يكون للإنكار وسيأتي الكلام فيه.
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان (٥٠) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (٨) ، والترمذي ، كتاب الإيمان عن رسول الله ، باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم الإيمان والإسلام (٢٦١٠).