وقد قالوا في قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] : أن التّقدير : كمن ليس كذلك ، أو لم يوحّدوه ،
______________________________________________________
قانت ، مشددة الميم بإدخال أم على من ، والتقدير أغير القانت خير أم من هو قانت ، قلت هو معارض بجواز تقدير أم المذكورة منقطعة ، أي بل أمن هو قانت كغيره ، والإضراب هنا حسن الموقع كأنه بعد ما لخص الموجب لأن يخص الله تعالى بالعبادة وإخلاص الدين له قيل : دع بيان الموجب وسلهم هل من شكر ربه وقام بوظائف العبودية كمن غمط نعمه وآثر الإشراك على التوحيد ، ومعنى الاستفهام على قراءتي التخفيف والتشديد : التبكيت.
(وقد قالوا في قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] أن التقدير) أحد شيئين إما (كمن ليس كذلك أو لم يوجدوه) وهمزة إن من قوله : أن التقدير مفتوحة على جعل القول بمعنى الاعتقاد أو الجزم ، وهو سائغ تقول مثلا : قال أبو حنيفة هذا الحكم أي اعتقده ورآه ، وتقول أيضا قال فلان بكذا أي جزم به ، فالفتح على الأوّل كما في عرفت أن زيدا فاضل ، وعلى الثاني كما في قولك جزمت بأن عمرا قائم لكن حذف الجار ، ويحتمل أن يكون القول بمعناه المشهور ، فتكسر همزة إن على الحكاية ، لكن ذلك يتوقف على صدور هذا اللفظ المحكي بعينه منهم ، ولسنا على يقين منه ، فإن ثبت أنهم قالوه كذلك فالكسر واضح ، على أنه لو علم صدور المحكي عنهم على هذا الوجه لم تتعين الحكاية ، وكان لك أن تجعل القول بمعنى الاعتقاد أو الجزم ، ولا يخل ذلك بالغرض ؛ إذ المقصود الإعلام بأنهم جعلوا التقدير كذا ، وهو حاصل سواء فتحت أو كسرت ، ويحتمل أن يقال : يجوز الكسر وإن لم يتحقق صدور المحكي بعينه منهم ، بناء على صرف الحكاية إلى المعنى كما لو قال شخص : إن زيدا قائم وقصدت الحكاية بالمعنى ، فيجوز لك إذن أن تقول : قال فلان لزيد قائم ، أي : قال معنى هذا اللفظ ، وهو إن زيدا قائم ، فمؤدى العبارتين واحد.
وقد كرر المصنف تلاوة هذه الآية في الحكم الرابع الذي اختصت به الألف عن بقية أدوات الاستفهام ، وهو تمام التصوير حيث قال : وأما الثاني فلأنه غير ممكن في نحو (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] واعلم أن في الآية سؤالين.
أحدهما : أنها سيقت مساق الاحتجاج على المشركين في إشراكهم بالله ، فما وجه ارتباط الكلام بما قبله وتفرعه عليه ليصح موقع الفاء ، وجوابه : أنه لما ذكر : بل لله الأمر جميعا أي ليس لأحد منه شيء ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويصيب الكافرين بما أراد من القوارع ، ويملي لهم ثم يأخذهم قيل أفالله الذي هذه أفعاله القائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ، حتى يكفروا به وبآياته ويعرضوا عن توحيده.