وفي قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] ، أي : كمن هداه الله ، بدليل : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [فاطر : ٨] ، أو التقدير : ذهبت نفسك عليهم حسرة ، بدليل قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ؛
______________________________________________________
خبر هذا المبتدأ محذوفا ، أي : التقدير ثابت ، فدل ذلك على أن ثمّ مقدرا مفسرا بقوله : كمن ينعم فلإدخال حرف التفسير حينئذ موقع.
(و) قالوا أيضا (في قوله تعالى) في سورة فاطر : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] التقدير : (كمن هداه الله) وإنما صاروا إلى التقدير لأن من مبتدأ وهي إما موصولة أو شرطية ، ومدخول الفاء من قوله فرآه حسنا معطوف على زين له سوء عمله ، داخل في حكم الصلة أو الشرط ، فيلزم المصير إلى تقدير خبر أو جزاء يدل عليه الكلام ويقتضيه المقام ، فيجوز أن يكون التقدير كمن هداه الله (بدليل : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [فاطر : ٨]) والهمزة على هذا لإنكار التساوي ، والمحذوف خبر قطعا ومن موصولة.
(أو التقدير ذهبت نفسك عليهم حسرة) بإعادة ضمير الجماعة على من باعتبار معناها والهمزة على هذا لإنكار التحسر المذكور ، والمحذوف إما خبر ومن موصولة أو جزاء ومن شرطية ، وقدروا هذا المحذوف (بدليل : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨]) والفاء من فلا تذهب للسببية ، فإن ما تقدمه سبب للنهي عن التحسر.
وعليهم : متعلق بتذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا ، ومنع الزمخشري تعلقها بحسرات قال : لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه قلت : وفيه كلام ستقف عليه إن شاء الله تعالى في الباب الثالث ، وحسرات : مفعول له ، أي : لا تهلك نفسك لأجل الحسرات ، وفي جمعها إشعار بتضاعف اغتمامه على أحوالهم ، وكثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسف عليهم ، فإن قلت : كيف عدل المصنف عن الجمع إلى الإفراد وهو مفوت لهذه النكتة؟ قلت : وقع نظيره لصاحب المفتاح واعتذر عنه الشريف الجرجاني بقوله : وقال حسرة دون حسرات مبالغة في الإنكار ، أي ما كان ينبغي أن يكون منك تحسر ما إذ لا ينفع ولا يجدي ، لأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ما أنت عليهم بوكيل.
وقد كرر المصنف تلاوة هذه الآية في النوع السادس من الجهة السادسة من الباب الخامس ، حيث قال : وقول بدر الدين بن مالك في قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] إن جواب الشرط محذوف ، وإن تقديره ذهبت نفسك عليهم حسرة بدليل فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، أو كمن هداه الله بدليل فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ،