وجاء في التنزيل موضع صرّح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ ، على العكس ممّا نحن فيه ، وهو قوله تعالى : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) [محمد : ١٥] أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الأنهار كمن هو خالد في النار ، وجاءا مصرّحا بهما على الأصل في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي
______________________________________________________
والتقدير الثاني باطل ويجب عليه كون من موصولة ، إلى هنا كلام المصنف ، وفيه بحث ستراه إن شاء الله تعالى عند اقتضاء النوبة إليه.
(وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ) ببناء حذف مفعول ورفع المبتدأ على أنه نائب عن الفاعل ، وهذا (على العكس مما نحن) أي : مما كلامنا (فيه وهو قوله) في سورة القتال : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) [محمد : ١٥] أي أفمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الأنهار كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم وهذا الذي قاله المصنف في الآية ليس متعينا لجواز أن يكون (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) بدلا من (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) في قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [محمد : ١٤] ويكون قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [محمد : ١٥] معترضا بين البدل والمبدل منه ، ويجوز أيضا أن يكون (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) خبر مثل الجنة على حذف مضاف تتم به المعادلة ، وتصح المقابلة والتقدير : أمثل ساكن كمثل من هو خالد ، أو التقدير : أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار ، وهو كلام في صورة الإثبات ، ومعناه النفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار ، ودخوله في حيزه وهو قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) [محمد : ١٤] وفائدة حذف حرف الإنكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوي بين التمسك بالبينة والتابع لهواه ، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها الأنهار ، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم.
(وجاءا) أي : المبتدأ والخبر (مصرحا بهما على الأصل في قوله تعالى) في سورة الأنعام [١٢٢] : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) أي ضالا فهديناه (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) والمراد به اليقين والحكمة (كَمَنْ مَثَلُهُ) أي كالكافر الذي صفته في الظلمات ليس بخارج منها قال الزمخشري : كمن صفته هذه وهي قوله : في الظلمات ليس بخارج منها ، يعني أن هذه الجملة كما هي تقع صفة للكافر في قولك : مررت برجل في الظلمات ليس بخارج منها خابط فيها لا ينفك عنها ، ولا يتخلص منها ، فإذا قلت : صفته في الظلمات ليس بخارج منها ، فمعناه أنه إذا تم وصفه بهذه العبارة فهو مبتدأ وخبر ، أي صفته هذا اللفظ ، (وكذا) جاءا مصرحا بهما