والأخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللّبس ، وحمل عليه قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) [الشعراء : ٢٢] ، وقوله تعالى : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧] في المواضع الثّلاثة ، والمحقّقون على أنه خبر ، وأنّ مثل ذلك يقوله
______________________________________________________
قاسيته يقتل ، ويجوز أن يكون مبنيا من أحييته إذا جعلته حيا كأنه قال : أظهر شيء يحيا مما قاسيته يقتل.
(والأخفش يقيس ذلك في الاختيار) وفي الضرورة من باب أولى ، ولكن قياسية هذا الحذف (عند أمن اللبس) وأما عند خوفه فلا يجوز الحذف قولا واحدا ، وتخصيص الأخفش بنسبة هذا الحكم إليه في عرف المصنفين يقتضي أن غيره يخالف ذلك ، وقد صرح بعضهم بأن حذفها عند أمن اللبس من ضروريات الشعر ، قال ابن قاسم في «الجني الداني» : وهو ظاهر مذهب سيبويه ، قال : والمختار أن حذفها مطرد إذا كان بعدها أم لكثرته نظما ونثرا.
قلت : وهو كثير مع فقد أم والأحاديث طافحة بذلك ، وقول ابن الحاجب ـ حذف الهمزة شاذ وإنما تقع للضرورة وسره أن الحروف التي تدل على الإنشاء لها صدر الكلام ، فلو جاز حذفها لجاز تأخيرها ـ منظور فيها باعتبار هذه الملازمة فإنها غير مسلمة (وحمل) أي الأخفش (عليه) أي على حذف الهمزة (قوله تعالى) حكاية عن موسى عليه الصلاة والسّلام يخاطب فرعون : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٢٢] أي ذللتهم واتخذتهم عبيدا فإن حذف الهمزة هنا لا يوقع في الإلباس بالخبر ، ضرورة أن ما أخبر عنه ليس بنعمة بل هو نقمة فكيف يتوهم الإخبار بأنها نعمة وإنما المقصود الإنكار المفاد بالهمزة المحذوفة ، قال الزمخشري : وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها ومحل أن عبدت الرفع عطف بيان لتلك ، ونظيره (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) [الحجر : ٦٦] والمعنى تعبيدك لبني إسرائيل و (قوله تعالى : (هذا رَبِّي) في المواضع الثلاثة) المحكية عن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام حيث قال تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ٧٦ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ٧٧ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ٧٨) [الأنعام : ٧٦ ـ ٧٨] فإنه لا يخفى أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه لم يقصد حقيقة الإخبار في شيء من المواضع الثلاثة بربوبية ما رآه من تلك الأجرام السماوية ، وحاشاه من ذلك بل قصد الاستهزاء والإنكار عليهم ، فحذفه الهمزة لظهور المراد وانتفاء اللبس.
(والمحققون على أنه) أي : على أن الكلام الواقع في الصورتين (خبر وأن مثل ذلك يقوله