من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ؛ فيحكي كلامه ثم يكرّ عليه بالإبطال بالحجّة ، وقرأ ابن محيصن : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ؛ وقال عليه الصّلاة والسّلام لجبريل عليهالسلام : «وإن زنى وإن سرق؟» فقال : «وإن زنى وإن سرق».
[الثاني : أنها ترد لطلب التّصوّر]
والثاني : أنها ترد لطلب التّصوّر ، نحو : «أزيد قائم أم عمرو» ، ولطلب التّصديق ، نحو : «أزيد قائم؟».
______________________________________________________
من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل ، فيحكي كلامه) كما هو غير متعقب لمذهبه لأنه أدعى إلى قبول الحق ، وأنجى من التعب.
(ثم يكر) أي : يرجع (عليه) أي : على كلام خصمه (بالإبطال بالحجة) بعد ما حكاه أولا على صورته ، ولا محذور في ذلك ، بل فيه إظهار النصف أو استدراج الخصم إلى الإقرار بالحق.
(وقرأ ابن محيصن) بميم فحاء مهملة فياء تصغير فصاد مهملة فنون (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] بهمزة واحدة وهمزة التسوية محذوف (وقال عليه الصلاة والسّلام : وإن زنى وإن سرق قال جبريل : وإن زنى وإن سرق) فالشاهد في قول النبي صلىاللهعليهوسلم إذ الأصل أو إن زنى أو إن سرق ، روى «البخاري» في أول «كتاب الجنائز» (عن أبي ذر رضياللهعنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتاني آت من ربي فأخبرني أو بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق) (١) ووقع في مواضع ، وفي بعضها التصريح بأن الآتي هو جبريل ، فهذا مما حذفت فيه الهمزة لأمن اللبس ؛ لأنه عليه الصلاة والسّلام قصد استفهام جبريل عن دخول الجنة لمن مات من أمته ، لا يشرك بالله شيئا أيثبت مع فرض زناه وسرقته؟ ولا بد من تقدير الهمزة ، ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون الأصل : أيدخل الجنة وإن زنى وإن سرق ، فيكون المحذوف الهمزة وما دخلت عليه جميعا لدلالة ما سبق على ذلك ، والجملة الواقعة بعد حالية فلا يكون هذا من فرض المسألة في شيء على ما ذكرناه أولا فتأمله.
(الثاني أنها ترد لطلب التصور) وهو السؤال عن إدراك غير النسبة (نحو : أزيد قائم أم عمرو) فالنسبة هنا معلومة لا يطلب إدراكها ، وإنما السؤال عن تعين المسند إليه (ولطلب التصديق) وهو السؤال عن إدراك النسبة (نحو : أزيد قائم) فإن المسؤول عنه هو إدراك النسبة بين هذين الطرفين ، وأما كل من طرفيها اللذين هما المسند والمسند إليه ، فليس بمسؤول عنه ، وقد
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله (١٢٣٧).