الذى لم يستطع تخليص نفسه من الانطباعات السابقة ؛ لم يزل سعود الغطاء القماشى المقصّب عن القبر ، ولم يزل أيضا الستارة التى تلف القبر. يقال إن الأحلام أزعجته أو كفت يده عن المقدسات ، واحترم سعود أيضا قبر ستنا فاطمة بالقدر نفسه ، لكنه من ناحية أخرى ، حطم وبلا استثناء ، بنايات المقبرة العامة كلها ، التى دفن فيها الكثيرون من الصحابة والأولياء ، كما دمر شواهد القبور وأحجارها الزينية ، اعتقادا من الرجل أن حجرا بسيطا يكفى تماما لستر جثمان الميت.
والوهابيون عند ما يحرمون زيارة القبور ، لم يعنوا مطلقا وقف زيارة المسجد. هذا المبنى الذى بناه النبى صلىاللهعليهوسلم ، بعد هجرته الشريفة من مكة ، وهو الذى أرسى الأسس الأولى للإسلام ؛ لذا عده الوهابيون أهم وأقدس بقاع الأرض ، بعد بيت الله الحرام فى مكة كان سعود قد أصدر فى مرة من المرات أوامره بعدم السماح للحجاج الأتراك ، الذين ظلوا يتوافدون من ينبع إلى قبر النبى صلىاللهعليهوسلم حتى بعد توقيف قوافل الحج المنتظمة ، بدخول المدينة المنورة ، وقد أمر سعود بذلك لمنع ما أسماه دعاءهم الوثنى ؛ وهذا الإجراء كان من الصعب تنفيذه دون استبعاد هؤلاء الحجاج أو الزوار من المسجد النبوى ، كان من رأى سعود أن ذلك المنع أو التحريم لا يصلح فرضه بالقوة ؛ ولذلك آثر سعود إبعاد الحجاج أو الزوار عن المدينة بحجة أن سلوك بعض الحجاج غير السوى هو الذى حتم القيام بهذا المنع. كان سعود نفسه ، ومعه أتباعه يقومون فى معظم الأحيان بزيارة المسجد الشريف ، وفى معاهدة السلام التى أبرمها عبد الله ، ولد سعود ، مع طوسون باشا فى عام ١٨١٥ م ، ورد النص صراحة على حتمية السماح للوهابيين بزيارة مسجد النبى صلىاللهعليهوسلم (وليس قبره) دون إزعاج أو مضايقة.
زيارة المسجد النبوى عند المسلمين المخلصين هى مجرد عمل من أعمال الحسنات ولا علاقة لها بمناسك الحج المفروضة على المؤمنين ، ولكن هذه الزيارة شأنها شأن زيارة المسجد الأقصى ، وزيارة قبر سيدنا إبراهيم فى حبرون ، هى من الأشياء المقبولة عند الله (سبحانه وتعالى) ، وأنها تمحو كثيرا من الخطايا ، كما أنها تدخل الزائر ، فى الوقت نفسه ، ضمن شفاعة النبى للناس عند الله (سبحانه وتعالى) ،