والمقاطعات ، الذين يمرون على المدينة (المنورة) ، إلى أولئك الفراشين عن طريق أبناء وطنهم. يزاد على ذلك أن مراسلى الحجاج الآخرين ينتشرون فى سائر أنحاء الإمبراطورية ، والأرباح التى يجنيها هؤلاء الفراشين من هذه المهنة ، والتى تشبه الأرباح التى يجنيها القساوسة الروم الكاثوليك نظير القراءات والصلوات التى يقدمونها ، تصل إلى مبالغ كبيرة جدا ؛ لقد بلغنى أن بعض الفراشين الرئيسيين لدى الواحد منهم ما يتردد بين أربعمائة مراسل وخمسمائة مراسل موزعين أو منتشرين فى سائر أنحاء تركيا ، وأن هذا الفراش يتلقى من كل واحد من هؤلاء المراسلين حافزا ماليا سنويا لا يقل عن سكوين (*) بندقى واحد.
عدد الفراشين وعدد الأدلاء كبير جدا. يضاف إلى ذلك أن مهام العمل الذى يكلفون به يمكن أداؤه بسهولة كبيرة ، إلى حد أن القسم الأكبر من هؤلاء الفراشين والأدلاء يكادون يكونون عاطلين عن العمل. أثناء الحكم الوهابى ، توقفت بقاشيش وهدايا هؤلاء الفراشين ، ومع تناقص وصول الحجاج ، قلت تلك البقاشيش والعطايا فترة طويلة من الزمن ، إلى حد أنه على الرغم من استعادة الاتصال عن طريق القوافل فإن الميل إلى تقديم ذلك البقشيش وتلك العطايا بدأ يخبو ويكاد يختفى تماما.
الوهابيون يمنعهم مذهبهم من زيارة قبر النبى صلىاللهعليهوسلم ، أو الوقوف أمام الحجرة والدعاء بطلب شفاعته صلىاللهعليهوسلم. ولما كان محمد صلىاللهعليهوسلم عندهم مجرد إنسان فان ، فذلك يعنى أن قبره عندهم لا يستحق أى قدر من التبجيل. يضاف إلى ذلك أن المذهب الوهابى الدينى صارم ومتشدد ، الأمر الذى أغرى سعود بنقل كنوز الحجرة ، التى ظنوا أنها لا يجدر بها ولا تصلح ، من حيث الوقار والتواضع ، لتزيين أى قبر من القبور. ترك سعود القبر وحده دون مساس ، وراح فجأة ينفس عن مشاعر أهل الجزيرة العربية الوطنية من ناحية ، وعن وخزات ضميره من الناحية الأخرى ، ذلك الضمير
__________________
(*) يصح فيه أيضا «زكشين» : وهو نقد ذهبى إيطالى وتركى قديم. (المترجم)