أو إن شئت فقل : خزان صغير ، وبئر مهدّمة بالقرب من ذلك الخزان. سكان هذه القرية يزرعون بعض الحقول على ضفة وادى العقيق ، لكن تحرش البدو بهم هو الذى جعلهم يمتنعون عن زراعة الأرض.
وادى العقيق شهير بالشعراء العرب (*). تنمو بعض أشجار العاشور على ضفاف وادى العقيق ، وكانت تلك الأشجار مزهرة تماما فى ذلك الوقت. صحبنا إلى هذه المسافة البعيدة بعض من أهل المدينة المنورة ، وذلك من باب التحية والتقدير لذلك المفتى الذى جاء من مكة (المكرمة) فى زيارة للمدينة المنورة ، وكان عائدا إلى موطنه فى ذلك التاريخ ، وكان ينوى الافتراق عن قافلتنا عند مدينة صفراء. كان بصحبة ذلك المفتى خيام كثيرة ونساء كثيرات أيضا ، أما بقية زملائى المسافرين فكانوا من التجار الصغار فى المدينة المنورة ، وكانوا ذاهبين إلى جدة لانتظار وصول السفن الهندية ، وكان من بين هؤلاء التجار تاجر ثرى من مسقط ، كنت قد التقيته من قبل فى مكة ، عند ما كان يؤدى فريضة الحج ؛ كان بصحبة ذلك التاجر عشرة جمال كانت تحمل حريم ذلك الرجل ، وأطفاله ، وخدمه وأمتعته ، وكان ينفق فى كل محطة من المحطات مبالغ من المال على سبيل الإحسان. كان ذلك الرجل ، بكل المعايير عربيا سخيا وجديرا بالاحترام.
اليوم الثانى والعشرون من شهر إبريل. تناقص السيل وعبرناه فى فترة العصر. سرنا مدة ساعة واحدة فى واد ضيق ، تتبعنا خلالها مجرى السيل نحو الأعلى ، وبعد مرور ساعة ونصف الساعة تركنا مجرى السيل ، وانفتح السهل أمامنا فى اتجاه
__________________
(*) يقول بعض الناس : إن هذا السيل يفرغ نفسه فى الأرض المنخفضة نفسها التى يسمونها الغابة ، أو إن شئت فقل زغابة ، التى تقع غربى المدينة المنورة ، فى الجبال التى تفرغ فيها السيول المحيطة ماءها. يقول هؤلاء الناس أيضا : إن الحصن العربى الذى يطلقون عليه اسم قصر المراجل يقع على ضفاف هذا السيل فى اتجاه الشرق ، ومن قصر المراجل هذا يعبر السيل المنطقة المسماة بالناقية متجها إلى الغابة. وعلى بعد مسير حوالى خمسة أميال من المدينة المنورة ، توجد محطة من محطات الحج يسمونها ذى الحليفة وتقع على ضفاف وادى العقيق ، وفيها قلعة صغيرة وبركة ، أعيد بناؤها فى العام ٨٦١ الهجرى. ولعل المقصود بذلك هو المدرّجة.