«اهرب من الوباء هروبك من الأسد». المسألة مختلفة فيما يتعلق بوسائل منع انتقال الطاعون ، بواسطة إنشاء محاجر صحية نظامية ، وهذا الإجراء يقع كله على عاتق الحكومة. معروف أن دول البربر ، أشد الدول تمسكا بالدين قد تبنت ذلك النظام واتبعته ، وترتب على ذلك تنفيذ قوانين الحجر الصحى تنفيذا صارما فى الموانئ التابعة لهذه الدول ، على النحو الذى تطبق فيه هذه القوانين فى الموانئ الأوروبية وبخاصة على الشواطئ الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. مسألة عدم تنفيذ أو اتباع نظام مماثل فى تركيا أمر يثير الكثير من القلق البالغ ، وربما تكون الدوافع المصلحية هى السبب الرئيسى وليس التعصب. أنا بنفسى لم أزر إسطنبول أو موانئ الأرخبيل ، لكنى أعلم أن من السهل على محافظى سوريا وكذلك محافظى مصر استعمال سلطاتهم فى إدخال منظومة الحجر الصحى وتطبيقها على الشواطئ ، وألا يخافوا أو يخشوا معارضة رعاياهم ، زد على ذلك أن حكومات سوريا يمكن إرشادها إلى مثل هذه الأمور عن طريق الباب العالى ، ولن توافق هذه الحكومات على إنشاء منظومة الحجر الصحى بدون تفويض بذلك من رئاستها ، لكن محمد على باشا كان يتصرف تصرفا مباشرا وتلقائيا وعلى العكس من أوامر الباب العالى ، حتى فى المسائل المتعلقة بمسألة المصلحة المالية الخاصة بالسيادة ، ونحن لا نرى أن الخوف من إغضاب سيده كان هو السبب الوحيد الذى منعه من الانصياع إلى النصائح الودية المتكررة التى كان الباب العالى يسديها إلى محمد على بخصوص الدول الأوروبية ، يزاد على ذلك أن مبادئ محمد على الدينية العائمة والسائبة كانت معروفة تماما إلى الحد الذى لا يجعلنا نسلم بأن التعصب هو الذى منع الرجل من الاستسلام لتوسلات تلك الدول.
وعلى امتداد أربع سنوات متتالية ، وبالتحديد فى الفترة من عام ١٨١٢ م إلى عام ١٨١٦ م التى كان الطاعون يستعر خلالها منتشرا خلال فصل الربيع من كل عام ، كان محمد على باشا نفسه ، ومعه أسرته وكبار موظفيه يعزلون أنفسهم فى قصورهم مهتمين بذلك العزل اهتماما فائقا ، كاشفين بذلك عن المزيد من الفضائح أمام الشعب أكثر مما لو أسسوا محاجر صحية تحكمها قوانينها الخاصة ، ومن باب رغبة محمد على باشا ، فى أن ينظر الأوروبيون إليه باعتباره ليبراليا فى فكره ، ومتجنبا الإساءات