الشرعى ، وبالطريقة نفسها تجرى مصادرة ممتلكات الموظفين العسكريين ، وكثير من الجنود عقب وفاتهم. وبحسبة بسيطة نجد أن الطاعون الذى أتى فى مصر على أرواح ما يتردد بين ثلاثين ألفا وأربعين ألف نسمة فى مدينة القاهرة وحدها ، أضاف إلى خزائن الباشا حوالى عشرين ألف كيس (صرّة) ، أو إن شئت فقل : عشرة ملايين قرش ، وهذا المبلغ كفيل بخنق أى نوع من المشاعر الإنسانية فى قلوب الأتراك.
مسألة تناقص عدد السكان ومن ثم تناقص المداخيل المنتظمة ، مسألة لا تخطر ببال الحاكم التركى ، الذى لا يحسب سوى النتائج المباشرة المترتبة على أى حادث من الأحداث ، شريطة أن يضمن لنفسه السلامة ، ولثروته النمو والزيادة ، ولكن دونما نظر إلى مصير رعاياه ، ونظرا لأن الطاعون يندر أن ينتشر فى الأرض المفتوحة ، ومن ثم لا يحرم الأرض الزراعية من عمالها ، فإن ذلك يجعل الباشاوات فى مأمن من الخوف من ذلك الطاعون ؛ هذا يعنى أن أى باشا من الباشاوات لن يقتنع مطلقا بأن السياسة والإنسانية يحتمان إزالة أسباب الطاعون ، إلا بعد أن يرى بنفسه إقليما من الأقاليم أو منطقة من المناطق وقد تخلخل سكانها من ناحية وأن الحقول التى تعود عليه بالمداخيل قد هجرها العاملون فيها (*).
الأمر يبدو كأن إسطنبول والقاهرة كانتا مستودعين للطاعون فى الشرق ، وأنهما كانتا تصدران ذلك الوباء إلى بعضهما البعض ، وإلى البلدان المجاورة أيضا ، وأنا هنا أجدنى عاجزا عن تحديد الوسيلة التى كان من الممكن على الدول الأوروبية أن تقنع الباشا الكبير بها لكى يتخذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على سلامة عاصمته ، وبالتالى ضمان سلامة سكان تركيا الأوروبية والأناضول ، لكنى لا يخامرنى شك فى
__________________
(*) يظهر بشكل واضح إهمال حكومة مصر فى المحافظة على حياة رعاياها فى إهمالها لمرض الجدرى وعدم العمل على معالجته ؛ حيث كان ينتشر على شكل وباء فى الوجه القبلى ، شأنه فى ذلك شأن الطاعون ، الذى لا ينتشر إلا نادرا فى الوجه القبلى ، يزاد على ذلك أن العروض المتعددة التى قدمت لمحمد على باشا بشأن مسألة التحصين ضد الجدرى لم تلق منه أذنا صاغية ، ولو كلف محمد على باشا نفسه مؤونة السؤال لعرف أن بلدة إسنا الصغيرة وقع فيها فى عام ١٨١٣ م ما يزيد على مائتين وخمسين شخصا ، من الكبار والصغار ، فرائس لمرض الجدرى ، الذى ازداد عنفوانه فى هذه البلدان عنها فى أوروبا.