تحت الأرض ، والواحد من هذه المستودعات كفيل بمد مدينة ينبع بالماء طوال أسابيع عدة. هذه الخزانات أو المستودعات مملوكة لعائلات بعينها ، قام أسلافها ببناء هذه الخزانات ، ويبيعون ماءها ، بأسعار محددة ، من قبل الحاكم (المحافظ) الذى يحصّل ضريبة هو الآخر من أصحاب هذه الآبار. مياه هذه الآبار أفضل من مياه الآبار الأخرى التى فى سائر أنحاء الحجاز ، التى لا يحاول السكان فيها إنشاء أو تأسيس مثل هذه الخزانات. والمطر عند ما يسقط على ينبع يعانى منه سكانها معاناة شديدة ، ويضطرون إلى ملء قرابهم من آبار العسيلية البعيدة.
كانت ينبع ملحقة على حكومة شريف مكة ، الذى كان يتحتم عليه اقتسام عائدات الجمارك مع الباشا التركى فى جدة. لكن الشريف غالب كان يدخل هذه العائدات فى خزانته الخاصة ، وكان يحتفظ فى ينبع بوزير ، أو إن شئت فقل : محافظ ، ومعه حرس يقدر بحوالى خمسين رجلا أو ستين. لم تكن لذلك الوزير سلطة سوى جمع المتحصلات الجمركية ، فى حين كان سكان المدينة يخضعون لحكم شيوخهم ، وكان شعب ينبع يتمتع بقدر أكبر من الحرية أكثر من أهل مكة وجدة. لم تكن قبيلة جهينة القوية دمية فى يدى الشريف غالب ، وعند ما كان أحد من أهل ينبع يستشعر سوء المعاملة ، كان يهرب إلى أقاربه فى الصحراء الذين كانوا يمارسون شيئا من الضغط على بعض رجال الشريف أو على القوافل إلى أن ينصلح الحال.
عند ما هاجم سعود ـ الرئيس الوهابى ـ الأجزاء الشمالية من الحجاز ، كان يستهدف فى المقام الأول إخضاع بدو قبيلة بنى حرب الكبيرة وقبيلة جهينة ، وقد سهّل هذا الأمر على سعود وجود كراهية وعداء مستحكمين بين القبيلتين ، اللتين كانتا فى عراك وحرب مستمرة مع بعضهما بعضا. بعد أن أخضع سعود قبيلة جهينة ، استقبلت ينبع النخل حامية وهابية ، ثم قام سعود بالهجوم على ينبع للمرة الأولى فى عام ١٨٠٢ م مستخدما فى ذلك قوة كبيرة ، ظلت مخيمة أمام مدينة ينبع طوال أسابيع عدة ، محاولة اقتحام المدينة. بعد انسحاب سعود قام الينبعاويون ببناء سور قوى جديد حول مدينة ينبع ، وذلك بناء على أوامر من الشريف غالب ، الذى فرض على أهل ينبع تحمل كامل