محمد على باشا ، والذى كان يقف فى مدخل بيت الشريف. كانت تلك الزوجة قد نقلت ذلك الحنطور على ظهر المركب الشراعى إلى جدة ، ثم استقلته من جدة إلى مكة وعرفات ، وكان ذلك الحنطور يخفى شخصها تماما ؛ كان حصانان يجران ذلك الحنطور ، وقد شاهده الناس مرارا بعد ذلك فى شوارع مكة.
كان الوادى كله عامرا بالأضواء أثناء الليل ؛ إذ كان كل منزل وكل خيمة مضاءة ؛ كانت الأضواء ساطعة أمام خيمة محمد على باشا وأمام خيمة سليمان باشا ، فى حين شب البدو نيرانهم على قمم الجبال. واستمرت الضوضاء الناتجة عن دانات المدافع طوال الليل ، وجرى تقديم عروض الألعاب النارية ، وأطلق المكيون صواريخ الألعاب النارية.
مضى ثانى أيام العيد فى منى مثل اليوم الأول تماما ، لكن رائحة جثث الأغنام المتحللة فى بعض أنحاء الوادى كانت لا تطاق ، والسبب فى ذلك أن قلة قليلة من الحجاج الأثرياء هم الذين يستطيعون استهلاك لحوم الأضحيات التى يذبحونها ، يضاف إلى ذلك أن أتباع المذهب الحنفى لا يسمح لهم إلا بأكل ثمن الضحية فقط. هذا يعنى أن القسم الأكبر من الأضحية يذهب لفقراء الحجاج ، أما أحشاء الضحية وأمعائها فيجرى الإلقاء بها فى سائر أنحاء الوادى وفى الشارع. وكان يجرى استخدام الزنوج والهنود فى تقطيع اللحم إلى قطع صغيرة ، وتقديده لكى يستعملوه فى رحلة العودة (*).
__________________
(*) كانت تلك هى القاعدة المتبعة فى القرن السادس عشر ، أثناء حكم السلاطين لمصر ، وقد سرت هذه القاعدة أيضا على سلاطين القسطنطينية ، وكانت تلك القاعدة تقضى بتزويد فقراء الحجاج بالطعام فى وادى منى على حساب الخزانة الملكية. وقد تميز العرب الوثنيون أثناء الحج بكرمهم السخى ، كما أن الكثيرين من هؤلاء البدو ، عند ما كانوا يقومون بأداء فريضة الحج ، كان يجرى استقبالهم وإكرام وفادتهم من قبل الخيام التى يمرون عليها ؛ هؤلاء البدو يكونون مستعدين من قبل لمثل هذه الاستقبالات ، بتجهيز كميات كبيرة من الطعام. (راجع قطب الدين). من بين العجائب التى تميز وادى منى عن الوديان الأخرى ، على حد قول المؤرخ الفاسى ، أن وادى منى يمدد أبعاده بين الحين والآخر لكى يستوعب أى عدد من الحجاج ، إلى حد أن النسور فى يوم الأضحية لا تجرؤ على حمل الحملان المذبوحة ، تاركة إياها للحجاج الفقراء ، وأنا على الرغم من كثرة كميات اللحم النيئ ، فإن الذباب لا يضايق أحدا من زوار وادى منى. وأنا أقول إن هذه الملاحظة الأخيرة غير دقيقة فقد خبرت بنفسى وجود الذباب فى وادى منى.