اليوم أدى كثير من الحجاج صلواتهم فى مسجد الخيف ، الذى وجدته مزدحما بالهنود الذين اتخذوا من أركانه مقاما لهم. كان رصيف الشارع عامرا بالجيف المتناثرة ، وعلى الحبال المنتشرة بين الأعمدة كان الناس يعلقون قطع اللحم طلبا لتقديدها. كان المنظر والرائحة يثيران الاشمئزاز ، وبدا علىّ كثير من الاندهاش جراء السماح بمثل هذه الممارسات. على العموم ، يرى كثير من الحجاج الأجانب كثيرا من الممارسات غير المحسوبة الأمر الذى لا يوحى لهؤلاء المكيين بإضفاء المزيد من الاحترام والتقدير على الأماكن المقدسة فى دينهم ، وعلى الرغم من أن بعض المكيين يحتفظون بحماسهم الدينى كاملا ، فإن بعضا آخر منهم يفقدون هذا الحماس بسبب ذلك الذى يشاهدونه فى موسم الحج. فقدان هذا الاحترام للدين ، هو والممارسات المخزية التى يضفى عليها تكرارها شيئا من الشرعية فى المدينة المقدسة ، هما اللذان يمكن أن نعزى إليهما تلك الأمثال التى تصف الحجاج بقلة التدين ، وبعدم الوثوق فى أشخاصهم ، وذلك على العكس من الناس الآخرين. لكن أرضنا المسيحية المقدسة معرضة لشىء من الانتقاد كذلك ، جراء بعض الممارسات التى من هذا القبيل. السواد الأعظم من المسلمين المتشددين يقرون وجود مثل هذا الشر ، ويعربون عن ندمهم لوجوده ، ويؤكدون أنهم أصحاب بصيرة أو أكثر إخلاصا من شاتوبرياند ذلك الحاج المسيحى (*).
عند ظهر اليوم الثانى عشر من شهر ذى الحجة ، وعقب رمى الإحدى والعشرين حصوة الأخيرة مباشرة ، غادر الحجاج وادى منى ، وعادوا عن طريق الوادى إلى مكة (المكرمة) ، وهم يرفعون أرواحهم المعنوية بترديد الأغانى والأهازيج ، والحوارات الطويلة والضحك ؛ وذلك على العكس من الوجوم الذى كان يخيم على الجميع وهم يتقدمون صوب هذا المكان قبل أربعة أيام. والحجاج عند ما يصلون إلى مكة يتعين
__________________
(*) ربما كانت دوافع مونس شاتوبرياند دوافع سياسية عند ما أورد فى مذكراته اليومية صورة زاهية الألوان عن فلسطين وقساوستها ، لكنه بوصفه رحالا لا بد من توجيه اللوم إليه فى ابتعاده عن الحقيقة ، وإساءة تصويره تماما للحقائق التى حصل عليها عن طريق الملاحظة.