إلى الهند ، أما الثانى فكان طبيبا ألمانيا ، من مواليد هانوفر ، كما كان بارونا أيضا ، وقد أدى سوء طالعه وحظوظه النكدة إلى مغادرة الرجل لوطنه ، وفى رأسه فكرة ممارسة الطبابة فى جدة ، أو مواصلة سيره إلى مدينة المخا فى اليمن ، لكنه لم يكن قد عقد العزم على شىء محدد ، يزاد على ذلك أن الرجل كان صاحب فكر مستقل وشخصية مستقلة لا تقبل النصح أو المساعدة. تركت هذا الرجل فى جدة عند ما عدت إلى مكة ، وعرفت بعد ذلك أنه توفى فى شهر مارس فى جدة بسبب الطاعون ، وأن اليونانيين فى جدة هم الذين دفنوه فى إحدى الجزر فى الميناء.
عند ما عدت إلى مكة ، فى حوالى اليوم الثامن أو التاسع من شهر ديسمبر ، لم أر الجماهير أو الحشود البشرية التى سبق أن رأيتها هناك ، لكن أعداد الشحاذين تزايدت وتزايدت أيضا متاعبهم ومضايقاتهم ، الأمر الذى دفع الكثيرين من الحجاج إلى البقاء فى منازلهم طوال اليوم ، تجنبا لتلك المتاعب والمضايقات. هؤلاء الشحاذين كانوا يستجدون الناس الصدقات التى تمكنهم من العودة إلى بلادهم ، وقد تزايد عدد هؤلاء نظرا للعدد الكبير من الحجاج المحترمين الذين أنفقوا نقودهم أثناء الحج. كنت قد انتويت الالتحاق بالقافلة السورية عند ما أعود إلى مكة ، إلى أن أصل المدينة (المنورة) ، وعليه ومن باب محاكاة بعض الحجاج السوريين الذين كانوا وصلوا مكة قبل وصول القافلة ، اتفقت مع بدوى من قبيلة حرب على استئجار اثنين من إبله ، وعلى الرغم من أن السواد الأعظم من الحجاج ، يقومون ، بعد أداء فريضة الحج ، بزيارة قبر محمد صلىاللهعليهوسلم فى المدينة المنورة فإنهم يرافقون القافلة السورية ، وذلك بالاتفاق مع بعض المقومين على تحمل كل مصاريف الطريق وأعبائه ، لكن يفضل لأسباب كثيرة ، السفر بصحبة البدو بدلا من أهل الحضر ، وبخاصة فى الطرق التى تمر عبر أراضى البدو ، لكن وقع حادث حال بينى وبين التصرف على هذا النحو.
ولما كانت القافلة قد استعدت للرحيل فى اليوم الخامس عشر من شهر ديسمبر ، فقد حزمت أشيائى فى الصباح ، وسمعت صوت المدفع ينطلق عند الظهر ، إعلانا بأن سليمان باشا قد غادر سهل الشيخ محمود ، الذى كانت تخيم فيه القافلة ، ومع ذلك