فقد وصل هؤلاء الفقراء بعد ساعة أو ساعتين من توقفنا فى فترة الصباح ، واليوم جرى إحضار واحد منهم بمصاحبة اثنين من بدو العوف ، وقالا لنا إنهما عثرا عليه ضالا فى الصحراء ، وإنه وعدهما بعشرين قرشا إذا ما أرشداه إلى القوافل ، وإنهما توقعا أن يدفع عنه أصدقاؤه هذا المبلغ ، والرجل يبدو لهما معدما وليس معه من النقود شىء. وعند ما اكتشف هذان العوفيان أن أحدا منا لن يدفع هذا المبلغ أو حتى الجزء الأصغر منه ، وأن الجميع أنكروا معرفتهم لذلك الرجل ، الذى قالوا إنه التحق بالقافلة فى مكة دون أن يعرف أحد أقل القليل عنه ، وهنا صرح البدويان أنهما يتعين عليهما تجريده من الملابس التى يرتديها ، ويحتفظان به أسيرا عندهم فى خيامهم ، إلى أن تمر جماعة أخرى من أهل الملايو ، لعلهم يخلصونه ويدفعوا المبلغ ، وعند ما كانت القافلة تهم بالتحرك ، أمسك البدويان بالرجل ، وحملاه إلى مسافة قريبة من الغابة. وأصيب الرجل بالرعب والفزع على نحو أفقده القدرة على الكلام ، وتركهما يقتادانه ، دون أدنى مقاومة من جانبه. لم يكن مرشدونا أندادا للعوف ، والعوف يخشاهم الناس لطبيعتهم المحبة للحرب من ناحية والشراسة من الناحية الأخرى ، لم يكن هناك قاض فى قرية رابغ ، حتى يمكن اللجوء إليه ، وكان البدويان أصحاب حق شرعى على ذلك الرجل الذى أسراه. وأنا لو كنت قد دفعت المبلغ الذى يطلبه هذان البدويان لما كنت قد أتيت عملا كبيرا من أعمال الكرم والبر ، لكنى كنت أرى أن هذا العمل واجب على رفاقنا من أبناء الملايو ، ولذلك حاولت جاهدا إقناعهم بدفع المبلغ. واقع الأمر أنى لم ألتق أحدا غليظ القلب مثل هؤلاء الرجال ؛ فقد أعلنوا جميعهم أنهم لا يعرفون الرجل ، وأنهم ليسوا على استعداد لقبول أية نفقات إضافية من أجله. كانت الإبل محمّلة ، وركب الجميع وكان قائد القافلة على وشك السير ، وعند ما انفجر التعيس موضوع الحوار معبرا عن أحزانه وآلامه. كنت أنتظر هذه اللحظة. واعتمادا على الاحترام الذى كنت أحظى به فى القافلة جراء الاعتقاد بأنى حاج من أولئك المقربين إلى محمد على باشا وجيشه ، واعتمادا أيضا على حسن نية مرشدينا ، التى أرسيتها بفضل توزيع الأطعمة والأغذية عليهم من باب الكرم اعتبارا من لحظة مغادرتنا مكة ، تقدمت وأمسكت بجمل قائد القافلة ، وجعلته يبرك أرضا ، وصحت متعجبا بأن القافلة