يجب ألا تمضى قبل إطلاق سراح ذلك الرجل ، وهنا رحت أنتقل من جمل إلى جمل ، ورحت ألعن أهل الملايو ونساءهم تارة ، وأحيى البعض منهم تارة أخرى ، وحصلت من كل جمل من جمال أهل الملايو مبلغ عشرين بارة (أى ما يعادل ثلاث بنسات) ، وبعد صراع طويل جمعت عشرين قرشا. أخذت هذا المبلغ إلى البدويين اللذين بقيا على بعد مسافة منا ومعهما الأسير ، ورحت أشرح لهما حاله التعيس وأتوسل إليهما بشرف قبيلتهما ، وحاولت إقناعهما أن يأخذا عشرة قروش ، وطبقا للمعايير التركية كان من حقى أن أضع العشرة قروش الأخرى فى جيبى نظير تعبى ، لكنى أعطيت القروش العشرة لذلك الجاوى التعيس ، الأمر الذى كان له وقع ثقيل على بنى جلدة ذلك الرجل ، وترتب على ذلك أن قام أهل الملايو هؤلاء بنبذ هذا الرجل من جماعتهم ، وأصبح الرجل فى عهدتى إلى أن وصلنا المدينة (المنورة) ، وطوال إقامته فيها كنت أنوى تزويد هذا الرجل بأجر عودته إلى ينبع ، لكنى وقعت فريسة للمرض فور دخولى المدينة (المنورة) ، ولذلك لم أعرف ما حدث لهذا الرجل بعد ذلك.
كان عدد كبير من الحجاج قد راحوا يستجدون الناس إحسانا فى سوق قرية رابغ. هؤلاء الفقراء ، عند ما يبدءون الرحلة من مكة إلى المدينة (المنورة) مع قافلة من القوافل الكبيرة ، يتخيلون أنهم قادرون على تحمل متاعب تلك الرحلة ، ويعلمون أيضا أن السفر مع القافلة ، سيجعلهم يحصلون من الحجاج المحسنين على الطعام والماء ، لكن المسيرات الليلية الطويلة سرعان ما تهد قواهم ، وبالتالى يتأخرون فى الطريق ، وبعد كثير من التعطيل والحرمان يضطرون إلى مواصلة رحلتهم أملا فى أن تتهيأ لهم فرص جديدة. هذا واحد من الأفغان انضم إلى قافلتنا ؛ كان رجلا مسنا ، وقوته خارقة للعادة ، فقد قطع الطريق كله من كابول إلى مكة سيرا على الأقدام ، وعقد العزم على العودة بالطريقة نفسها. ندمت لأنه لم يكن يعرف العربية ، على الرغم من أنه كان رجلا ذكيا وألمعيا ، وكان يمكن أن يعطينى بعض المعلومات المهمة عن بلده.
اليوم العشرون من شهر يناير. غادرنا رابغ عند الساعة الرابعة بعد الظهر. كان طريقنا شمال ٨ غرب ، فى منطقة الصوان حالك السواد ، الذى تتخلله بعض التلال