ويقوّى الضعيف منهم ، فبصر بخباء عظيم حوله مرابطة ثمانية أفراس ، ورماح وعدّة ظاهرة ، فانتهى إلى الخباء ، فإذا خباء عكرمة ، فسلم عليه ، وجزاه أبو بكر خيرا ، وعرض عليه المعونة ، فقال له عكرمة : أنا غنىّ عنها ، معى ألفا دينار ، فاصرف معونتك إلى غيرى. فدعا له أبو بكر بخير ، ثم استشهد يوم أجنادين ولم يترك ولدا.
وأمه أم مجالد بنت يربوع ، إحدى نساء بنى هليل بن عامر.
وذكر ابن عبد البر : أن عكرمة كان شديد العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم هو وأبوه ، وكنّى النبىصلىاللهعليهوسلم أباه بأبى جهل ، وكان يكنى أبا الحكم. وكان عكرمة فارسا مشهورا ، أسلم وحسن إسلامه ، وكان مجتهدا فى قتال المشركين مع المسلمين ، واستعمله رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام حج على هوازن بصدقتها ، ووجهّه أبو بكر إلى عمان ، وكانوا ارتدوا ، فظهر عليهم. ثم وجهّه أبو بكر إلى اليمن ، وولّى عمان حذافة القلعان (٢). ثم لزم عكرمة الشام مجاهدا ، حتى قتل يوم اليرموك ، فى خلافة عمر ، هذا قول ابن إسحاق.
واختلف فى ذلك قول الزبير بن بكار ، فقال : قتل يوم اليرموك شهيدا. وقال فى موضع آخر : استشهد يوم أجنادين. وقيل إنه قتل يوم مرج الصفر ، وكانت أجنادين ومرج الصّفرّ فى عام واحد ، سنة ثلاث عشرة ، فى آخر خلافة أبى بكر رضى الله عنه.
وروى الزبير عن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه : أن عكرمة لما سأل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أن يستغفر له ، فاستغفر له. فقال عكرمة : والله لا أدع نفقة كنت أنفقها فى صدّ عن سبيل الله ، إلا أنفقت ضعفها فى سبيل الله. ثم اجتهد فى العبادة ، حتى قتل فى زمن عمر رضى الله عنه.
وروى الزبير بسنده إلى الأعمش ، عن أبى إسحاق نحوه ، وقال : فلما كان يوم اليرموك ، نزل فترجّل وقاتل قتالا شديدا فقتل ، فوجد به بضع وسبعون ، من بين طعنة وضربة ورمية.
وقال الزبير : حدثنى عمّى ، عن جدّى ، عبد الله بن مصعب ، قال : استشهد يوم اليرموك الحارث بن هشام ، وعكرمة بن أبى جهل ، وسهيل بن عمرو ، وأتوا بماء وهم صرعى ، فتدافعوه ، كلما دفع إلى رجل منهم قال : اسق فلانا ، حتى ماتوا ولم يشربوا. قال : طلب عكرمة الماء ، فنظر إلى سهيل ينظر إليه ، فقال : ادفعه إليه ، فنظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه ، فقال : ادفعه إليه ، فلم يصل إليه ، حتّى ماتوا كلهم ، رضى الله عنهم.
__________________
(٢) «حذافة القلعان» ذكره الطبرى فى تاريخه أنه «حذيفة بن محصن الغلفانى».