العوارين نحو عشرين رجلا ، وكتبوا للمجاهد يسألونه أن يرسل إليهم واليا يحفظ المدينة وعسكرا ، ففعل.
ثم ولّى والى المجاهد جماعة من أهل زبيد ، وقالوا له : إن لم تنزل لزبيد ، وإلا فلا بلاد لك ولا للظاهر. ثم سار إلى زبيد ، فدخلها فى يوم الجمعة الثانى عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، ونزل بحائط لبيق ، ثم توجه المجاهد إلى النّخل ، ولما علم بذلك الناصر ومن معه ، وكانوا جمّا غفيرا انحلّت عراهم ، وافترقت كلمتهم ، وارتفعت محطتهم ، وقصد الناصر فى طائفة من أصحابه السلامة ، فلما علم بذلك المجاهد ، بعث إليهم من قبض عليهم وسجنهم بحصن تعزّ.
وفى يوم الأحد السابع عشر من رجب سنة خمس وعشرين ، وصل إلى المجاهد نجدة من مصر ، وكانت هذه النجدة ألفى فارس ، ومعهم ألفا راحلة ، وفيهم من الأمراء أربعة ، والتعويل منهم على أميرين هما : بيبرس وطيلان ، ومعهم من الجمال ما يحمل أزوادهم ، وعددهم ، اثنان وعشرون ألف جمل ، وتلقّاهم المجاهد إلى القوز الكبير ، وحين عاينوه ترجلوا له ، وقبّلوا الأرض بين يديه ، وساروا فى خدمته ساعة ، واجتمعوا مع المجاهد فى خيمة نصبوها ، وأخرجوا له من صندوق كان معهم ، عمامة بعذبتين ، وخلعة فاخرة ، فألبسوه ذلك ، وركبوا جميعا إلى أن حطوّا بباب الشّبارق ، ومكثوا هناك أياما قليلة ، ثم تقدّم المجاهد لتعزّ فى طائفة من عسكره والعسكر المصرى ، ثم أتى بقية العسكر المصرى لتعز ، فعاثوا فيها وفى نواحيها كثيرا ، وأفسدوا زرع تعز ، ونهبوا بعض البلاد ، وسبوا حريمها وباعوهم ، ومات كثير من الناس من ضربهم ، ومضى بعضهم للظاهر إلى الدّملوة فأكرمهم ، ووعدهم بمال جزيل ، على أن يمسكوا المجاهد ، وأوقفهم على مكاتيب تشهد له بأنه أرشد من المجاهد ، وأتوا من عنده إلى تعزّ ، واجتمعوا مع أصحابهم لفعل ما أمرهم به الظاهر ، فيما قيل ، فقصدوا المجاهد وهو بدار الشّجرة ، فاعتذر لهم بأنه فى الحمّام ، وخرج من باب السّر من فوره إلى حصن تعزّ ، وكتب إلى مقدّمهم : أن قد بلغ شكركما ، وهذا خطّنا بأيديكما ، يشهد بوصولكما ، وانقضاء الحاجة بكما. وقصدوا بعد ذلك أهل تعزّ ، وتقاتلوا ، فقتل من الترك نحو أربعين رجلا ، ثم ظفروا بالقصرىّ ، وكان ملائما للمجاهد بعد ملاءمته للظاهر ، فوسّطوه وسحبوه ، وعلّقوه على أثلة بسوق الوعد بتعز ، وأسروا الغياث بن بوز ، وتوجّهوا به معهم ، لما سافروا من تعز ، وكان سفرهم منها فى شعبان ، ولم يدخلوا زبيد ، ورجعوا فى طريقهم التى أتوا منها ، واشتدّ نهبهم لتهامة.