وبين يديها الجنائب بمراكب الذهب المرصعّة ، وفى رواية : أقام بمكة إلى ربيع الأول ، فوقع فى أصحابه الوباء ، فمات منهم سبعمائة رجل ، ثم عاد إلى اليمن ، لأن العلويين تجمّعوا عليه ، ولم يبق معه إلا نفر يسير ، فسار إلى اليمن ، ومنع الحج من اليمن ، فغلت الأسعار ، وزادت البليّة. انتهى.
وذكره الفقيه عمارة الشاعر فى تاريخه ، فقال : كان أبوه محمد قاضيا باليمن ، سنّىّ المذهب ، وكان أهله وجماعته يطيعونه ، وكان الداعى عامر بن عبد الله الزّواحىّ يلاطفه ويركن إليه ، لرئاسته وسؤدده وصلاحه وعلمه ، فلم يزل عامر المذكور ، حتى استمال قلب ولده علىّ المذكور ، وهو يومئذ دون البلوغ ، ولا حت له فيه مخايل النجّابة ، وقيل : كانت عنده حلية علىّ الصليحى فى كتاب «الصّور» من الذخائر القديمة ، فأوقفه منه على ثقل حاله ، وشرف مآله ، وأطلعه على ذلك سرا من أبيه وأهله ؛ ثم مات عامر عن قرب ، وأوصى له بكتبه وعلومه ، ورسخ فى ذهن علىّ من كلامه ما رسخ ، فعكف على الدرس ، وكان ذكيا ، فلم يبلغ الحلم ، حتى تضلّع من معارفه ، التى بلغ بها وبالجد السعيد ، غاية الأمل البعيد.
وكان فقيها فى مذهب الدولة الإمامية ، مستبصرا فى علم التأويل. ثم إنه صار يحج بالناس دليلا على طريق السّراة والطائف خمس عشرة سنة ، وكان الناس يقولون له : إنه بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره ، ويكون لك شأن ، فيكره ذلك وينكره على قائله ، مع كونه أمرا قد شاع وكثر فى أفواه الناس ، الخاصّة والعامّة.
ولما كان فى سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، ثار فى رأس جبل مسار ، وهو أعلى ذروة فى جبال حراز ، وكان معه ستون رجلا ، قد حالفهم بمكة فى موسم سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، على الموت والقيام بالدّعوة ، وما منهم إلا من هو من قومه وعشائره فى منعة وعدد كثير ، ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء ، بل كان قلعة منيعة عالية ، فلما ملكها ، لم ينتصف نهار ذلك اليوم الذى ملكها فى ليلته ، إلا وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف ، وحصروه وشتموه وسفهوا رأيه.
وقالوا له : إن نزلت ، وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع! فقال لهم : لم أفعل هذا إلا خوفا علينا وعليكم أن يملكه غيرنا ، فإن تركتمونى أحرسه لكم ، وإلّا نزلت إليكم ، فانصرفوا عنه ، ولم يمض عليه أشهر ، حتى بناه وحصّنه وأتقنه.
واستفحل أمر على الصليحى شيئا فشيئا ، وكان يدعو للمستنصر صاحب مصر فى