الخفية ، ويخاف من «نجاح» صاحب تهامة ويلاطفه ، ويستكين لأمره ، وفى الباطن ، يعمل الحيلة فى قتله ، ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه ، وذلك فى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالكدراء.
وفى سنة ثلاث وخمسين ، كتب الصليحى إلى المستنصر ، يستأذنه فى إظهار الدعوة ، فأذن له ، فطوى البلاد طيّا ، وفتح الحصون والتهائم ، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله ، سهله ووعره ، وبرّه وبحره ، وهذا أمر لم يعهد مثله فى جاهلية ولا إسلام ، حتى قال يوما وهو يخطب الناس فى جامع الجند : فى مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. ولم يكن ملكها بعد ، فقال بعض من حضر مستهزئا : «سبّوح قدّوس» فأمر بالحوطة عليه ، وخطب الصليحى فى مثل ذلك اليوم على منبر عدن ، فقال ذلك الإنسان ـ وتغالى فى القول ـ : «سبّوحان قدّوسان» وأخذ البيعة ، ودخل فى المذهب ، ومن سنة خمس وخمسين ، استقر حاله فى صنعاء ، وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم وأسكنهم معه وولىّ فى الحصون غيرهم ، واختطّ بمدينة صنعاء عدة قصور ، وحلف لا يولى تهامة إلا لمن وزن مائة ألف دينار ، فوزنت له زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب ، فولاه وقال لها : يا مولاتنا ، أنّى لك هذا؟ قالت (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [آل عمران : ٣٧] فتبسم وعلم أنه من خزائنه ، فقبضه وقال : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) فقالت : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا) [يوسف : ٦٥].
ولما كان فى سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، عزم الصليحى على الحجّ ، فأخذ معه الملوك الذين كان يخاف منهم أن يثّوروا عليه ، واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب ، واستخلف مكانه ولده منها ، الملك المكرم أحمد ، وهو ولدها أيضا ، وتوجّه فى ألفى فارس ، فيهم من آل الصليحى ، مائة وستون شخصا ، حتى إذا كان بالمهجم (١) ، ونزل بظاهرها بقرية يقال لها أم الدّهيم وبئر أم معبد ، وخيّمت عساكره والملوك الذين معه من حوله ، ولم يشعر الناس حتى قيل : قد قتل الصليحى ، فانذعر الناس وكشفوا عن الخبر ، فكان سعيد الأحول بن نجاح المذكور ، الذى قتله الجارية بالسم ، قد استتر فى زبيد ، وكان أخوه جياش فى دهلك (٢) ، فسيّر إليه وأعلمه أن الصليحى متوجه إلى مكة ،
__________________
(١) المهجم : بلد وولاية من أعمال زبيد باليمن ، بينها وبين زبيد ثلاثة أيام ، ويقال لناحيتها خزاز ، وأكثر أهلها خولان من أعلاها وأسافلها وشمالها بعد السّردد.
(٢) دهلك : بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، ولام مفتوحة ، وآخره كاف ، اسم أعجمى ـ