فتحضر حتى نقطع عليه الطريق ونقتله ، فحضر جيّاش إلى زبيد ، وخرج هو وأخوه سعيد ، ومعهما سبعون رجلا بلا مركب ولا سلاح ، بل مع كل واحد جريدة فى رأسها مسمار حديد ، وتركوا جادة الطريق ، وسلكوا طريق الساحل ، وكان بينهم وبين المهجم مسيرة ثلاثة أيام للمجدّ ، وكان الصليحى قد سمع بخروجهم ، فسيّر خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين فى ركابه لقتالهم ، فاختلفوا فى الطريق ، فوصل سعيد ومن معه إلى طرف المهجم وقد أخذ منهم التعب والحفاء ، وقلة الماء ، فظن الناس أنهم من جملة عبيد العسكر ، ولم يشعر بهم إلا عبد الله أخو الصّليحى ، فقال لأخيه : يا مولانا ، اركب ، فو الله هذا الأحول سعيد بن نجاح ، وركب عبد الله ، فقال الصليحى لأخيه : إنى لا أموت إلا بالدّهيم وبئر أم معبد ، معتقدا أنها أم معبد التى نزل بها رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، لما هاجر إلى المدينة ، فقال له رجل من أصحابه : قاتل عن نفسك ، فهذه والله الدّهيم ، وهذه بئر أم معبد ، فلما سمع الصليحى ذلك ، لحقه زمع اليأس من الحياة ، وبال ولم يبرح من مكانه ، حتى قطع رأسه بسيفه ، وقتل أخوه معه وسائر الصليحيين ، وذلك فى ثامن عشر ذى القعدة ، سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، ثم إن سعيدا أرسل إلى الخمسة آلاف الذين أرسلهم الصليحى لقتاله ، فقال لهم : إن الصليحى قد قتل ، وأنا رجل منكم ، وقد أخذت بثأر أبى ، فقدموا عليه وأطاعوه ، واستعان بهم على قتال عسكر الصليحى ، فاستظهر عليهم قتلا وأسرا ونهبا.
ثم رفع رأس الصليحى على عود المظلّة ، وقرأ القارئ : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران : ٢٦].
ورجع إلى زبيد ، وقد حاز الغنائم ودخلها فى سادس عشر ذى القعدة من السنة وملكها ، وملك بلادها وبلاد تهامة ، ولم يزل على ذلك حتى قتل فى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، بتدبير الحرّة ، وهى امرأة من الصليحيين ، وخبر ذلك يطول ، ولما قتل الصليحى ورفع رأسه على عود المظلة كما تقدم ، عمل فى ذلك القاضى العثمانى [من الكامل](٣) :
بكرت مظلّته عليه فلم ترح |
|
إلا على الملك الأجل سعيدها |
__________________
ـ معرب ، ويقال له دهيك أيضا : وهى جزيرة فى بحر اليمن ، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة ، بلدة ضيّقة حرجة حارة كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها.
(٣) الأبيات فى : (وفيات الأعيان ٣ / ٤١٤ ، تاريخ ثغر عدن ١٦٣).