وكلام أبى شامة ، يقتضى أن العراقيين لما دخلوا للالتجاء بالحجاج الشاميين ، كان الشاميون نازلين بالزاهر. وكلام ابن الأثير ، يقتضى أن ذلك وقع والشاميون بمنى ، ثم رحلوا جميعا إلى الزاهر ، وهذا أشبه بالصواب ، والله أعلم.
وأما قول أبى شامة : ولم ينتطح فيها عنزان ، فسببه أن قتادة ، أرسل إلى الخليفة ببغداد يسأله العفو ، فأجيب إلى سؤاله ، وسيأتى ذلك إن شاء الله تعالى قريبا.
وذكر ابن سعيد المغربى هذه الحادثة ، وذكر فيها أن أصحاب قتادة ، فعلوا بمن كان من الحجاج فى مكة ، مثل ما فعلوا فيهم بمنى ، وذكر أن الأشراف قتلوا القاتل بمنى ، وظنوا أنه حشيشى ، وذكر ابن سعيد شيئا مما كان بين قتادة وأهل العراق ، بسبب هذه الحادثة ، وأفاد فى ذلك ما لم أره لغيره ، فنذكره.
ونص ما ذكره فى أخبار سنة تسع وستمائة : وصل من قبل الخليفة الناصر ، إلى أبى عزيز الحسنى صاحب مكة ، مع الركب العراقى ، مال وخلع وكسوة البيت على العادة ، ولم يظهر له الخليفة إنكارا على ما تقدم من نهب الحاج ، وجعل أمير الركب يستدرجه ويخدعه ، بأنه لم يصح عند الديوان العزيز ، إلا أن الشرفاء وأتباعهم نهبوا أطراف الحاج ، ولو لا تلافيك أمرهم ، لكان الاصطلام ، وقال : يقول لك مولانا الوزير : وليس كمال الخدمة الإمامية ، إلا بتقبيل العتبة ، ولا عز الدنيا والآخرة ، إلا بنيل هذه المرتبة ، فقال له : أنظر فى ذلك ، ثم تسمع الجواب ، واجتمع ببنى عمه الأشراف ، وعرّفهم أن ذلك استدراج لهم وله ، حتى يتمكن من الجميع ، وقال : يا بنى الزهراء ، عزكم إلى آخر الدهر ، مجاورة هذه البنية والاجتماع فى بطائحها ، واعتمدوا بعد اليوم ، أن تعاملوا هؤلاء القوم بالشر ، يوهنوكم من طريق الدنيا والآخرة ، ولا يرغبوكم بالأموال والعدد والعدد ، فإن الله قد عصمكم وعصم أرضكم بانقطاعها ، وإنها لا تبلغ إلا بشق الأنفس ، قال : ثم غدا أبو عزيز على أمير الركب ، وقال له : اسمع الجواب ، ثم أنشده ما نظمه فى ذلك (٢) :
ولى كف ضرغام أصول ببطشها |
|
وأشرى بها بين الورى وأبيع |
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها (٣) |
|
وفى بطنها للمجدبين ربيع |
أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى |
|
خلاصا لها إنى إذا لرقيع |
وما أنا إلا المسك فى كل بلدة |
|
أضوع وأما عندكم فأضيع |
__________________
(٢) انظر الكامل لابن الأثير ١٢ / ٤٠٣.
(٣) فى الكامل : «فظل ملوك الأرض تلثم ظهرها». انظر الكامل ١٢ / ٤٠٣.