فمن وقف على هذا الكلام ، أوقع عنده التطلع للعلم بما عدد من الأنواع. ومراده بذلك أنه قد اطلع على ما ذكر وأحاط به علما ، وأنه قد ترقى عن ذلك إلى جعل القضايا المذكورة قضية واحدة ، وأنها غير تلك الموجودات ، وكلها فيها مندرجة ، وهى به محيطة ، فهى الكل عند من فى إدراكه قوة ، وأنها أسماء اختلفت لمسميات متحدة. وقد اشتهرت مقالته تلك بين أتباعه ، وتفرقوا فى بلدان شتى ، يبثون هذه المقالة ، وتابعهم عليها جمع شاركوهم فى أفعالهم الظاهرة ، وما أطلعوهم على عقائدهم الباطنة ، وعمت المفسدة ، بهم فى الأقاليم ، بما ألقوه فى العقول من هذا المعتقد.
ولابن سبعين فى كتاب الإحاطة [من البسيط] :
من كان يبصر شأن الله فى الصور |
|
فإنه شاخص فى أنقص الصور |
بل شأنه كونه بل كونه كنهه |
|
فإنه جملة من بعضها وطرى |
إيه فأبصرنى إيه فأبصره |
|
فلم قلت إن النفع فى الضرر |
قال أبو حيان : انتهى كلام الشيخ قطب الدين القسطلانى.
ثم قال أبو حيان : ومازال ابن سبعين مشردا فى البلاد ، ينفى من بلد إلى بلد ، وأصحابه مذمومون مبغوضون. ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبرهم : وهؤلاء كلهم جهال أتباع جاهل.
حكى عن شيخهم ابن سبعين ، مقالات تدل على كفره ، منها لقد زرب بن آمنة على نفسه ، قال : لا نبى بعدى.
وما زال تلفظه البلاد ، حتى استقر بمكة عند واليها أبى نمى ، وتقدم عنده ، وكان قد جرح جرحا شديدا ، فعالجه ابن سبعين حتى برئ.
وقد سمعت قاضى القضاة تقى الدين بن دقيق العيد يقول : رأيت ابن سبعين بمكة ، وهو يتكلم للناس بكلام ألفاظه معقولة المعنى ، وحين تركبها لا تفهم لها معنى ، ونحوا من هذا سمعت قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة يقول ـ وقد حضر مجلسه ـ : ولا شك أن الذى ظهر به ابن سبعين ، هو مسروق من عقيدة ابن المرأة ، وابن أحلى وأتباعه ، إذ كانوا كلهم اشتغلوا بمرسية.
ولنذكر شيئا من حال هذين الرجلين ، ليفهم منه انحلالهم وانحلال ابن سبعين من الشريعة.